لا سببَ لأن نعي الحياةَ والموتَ في هذه اللحظة

قصائد للشاعر الصيني “وانغ ين”

ترجمتها عن اللغة الصينية: يارا المصري


باريس أضجرتني

هل يمكن أن تُوقفَ الموسيقى؟

وألَّا تُبقي على شيءٍ في الغرفةِ سوى العتمةِ فقط؟

هل يمكن أن تتركني أُغلق عيني

وأتخلى عن تلك الليالي البائسة

وأُنصت إلى إيقاعِ أنفاسِك

أظلمتْ سماءُ ما بعدَ الظهيرةِ بغتة

واكتنفت صفحةَ المياهِ ظلالٌ قاتمة

لذا، ليست الأيام الماطرة فحسب ما سيجعلك

تديرُ هذه الكأسَ السوداء

ببطءٍ في يدِك

يعوزُكَ أنتَ اللونُ ذاتُه

الأسود، كجوفِ حبَّةِ الدواءِ تلك

لقد دفعتني لأن أتقبَّلَ ضعفي

أُدرك ألوانَ لياليكَ الكئيبة

ما لونُها؟

أَهو هذا اللون؟

أم هذه الألوان؟

أَليس كذلك؟

أَليس كذلك؟

“يونيو، موسم غرس زهور عباد الشمس

زهور عباد الشمس في نيس لا تزال مدفونة……”

الخطاب القادم من نيويورك يحملُ كلماتٍ قليلة

بدأ شهر يوليو

وأنا بعيدٌ عن وطني، بعيدٌ عن قيظ ٍالصيف

بعيدٌ عنكِ، وباريس

أضجرتني.


ليلةَ أمس هطلَ مطرُ اليوم

هطلَ مطرُ اليومِ مساءَ أمس

هِبات البرد هكذا بديعة

الحزنُ يكتنفُ المدينةَ هذه اللحظة

آثارُ رمادِ الزجاجِ في صندوقِ جيتار

تأخرت تسميةُ المنطادِ من جديد

لا زلت لا أعرف لونَ الصوت

لا بد من وصولي إلى نهايةِ العالم

حيث تغشى البحرَ دموعُ الملائكة.  

الأسرار أسفل الشفاه متشبثة بالريح العاصفة

ليست مفتاحاً، ليست ناراً

ليست خجلَ ضوءِ النجوم، وليست

مطرَ الليلةِ الذي سينهمرُ إلى الغد.


الشخصُ في العتمةِ يعزفُ الجيتار

ثمة شخصٌ في العتمةِ يعزفُ الجيتار

يتغنَّى بالزَّهرِ الأحمر

ربما بزهورِ الخشخاشِ التي تتمايلُ في الضواحي

ربما بزهورٍ أخرى مجهولة

ثمة باحةٌ بها شجرةُ صنوبر، في الفجر

تتساقط ثمار الصنوبر، والطاووس يتجوَّلُ في الحديقة

ثمة مظلةٌ سوداء وقبَّعة

غارقتان في قاع البركة

تفجَّرت حبَّاتُ ثلجِ منتصفِ الليل من أسفلِ الجسر

غمرتْ الرأس، ارتفعت إلى النجوم

أطلت على المدينة من علوٍّ شاهق

مثل إل غريكو

الضواحي مليئةٌ بزهورٍ قرمزية

الشخص في العتمة يعزف الجيتار

أقراط اللؤلؤ التي خلعتها

تتدحرج على الطاولة

يُصدر تلامسها

صوتاً خفيفاً، تماماً

مثل تفتح زهور الخشخاش في الضواحي، تماماً

مثل أن يكون ثمة شخصٌ يعزفُ الجيتارَ الحزينَ من جديد.


لا سببَ لأن نعي الحياةَ والموتَ في هذه اللحظة

انطفأت النجوم، لكني أرى بوضوح

بريقَ عينيك وشفتيك

تضمين يداً حول ركبتك، واليد الأخرى

تحمل كوب قهوة، وتنتظرين أن تبرد

أتكئُ على حَجرِ النوم، مُنصتاً

إلى صوت أزيز الحصاد الهائج يمسُّ برفقٍ ظَهرك

مثلما كنتِ تحاولين بصعوبة أن تُرجعي السيارة

في الزقاقِ الرطبِ بعد سقوطِ المطر

ربما علينا أن نكوي الثيابَ المُجعَّدةَ مرة أخرى

ربما علينا أن نعيد توجيه توقيت الصيف

تموجات الرسم في كوب القهوة

هي النهاية التي نعجز أنا وأنتِ عن توقِّعها

لقد أُفسدَ هذا العالمُ بشدة، لذا

نحن محظوظان بتوقفنا المؤقت في هذه الفجوة

لا سببَ في هذه اللحظة لأن نعي الحياةَ والموت

طالما لا يزال الضوءُ في الردهة.


حلّت سنواتُ العمرِ الأخيرةِ متأخرةٌ جداً

حلّت سنواتُ العمرِ الأخيرةُ متأخرةٌ جداً

حين يتدفقُ الخمرُ بوفرة  

لا تجد الكأس، فقدت الليالي

لون العنب

زهورُ عبَّادِ شمسِ أكتوبر حبَّاتُ مطرٍ ثملة

أقمشةٌ حريريةٌ محترقة

جُسيماتُ الوقتِ المضخَّمة

تملأُ ألبومَ صورِ الليل

قبَّعاتُ القشِّ الطافية

تُخفي مشهداً مجهولاً

رعبُ الحياة، الحزنُ داخلَ الكنزةِ الصوفية

الريحُ العاصفةُ تجمع بقايا الروح

حلّت سنواتُ العمرِ الأخيرةُ متأخرةٌ جداً

أواصلُ رسالةَ الحبِّ والموت

إذ إنَّ قلبي اعتاد منذ وقت طويل

على الحزن المخزي.


لنوقف الحديثَ عن الاكتئاب

لنوقف الحديثَ عن الاكتئاب

عن الطقس الذي لا يخصنا

ذلك الرمادي كما الأسمنت المعلق في السماء

تلك المَيتات الهابطة

أغلقتَ الملفات في حقيبة يدك

سهواً أنرتَ نور الشمس الخابي على مهل

ولم تطوِ السريرَ في الزاوية

وبغير قصد بعثتَ الدفء في الذئب الساكن في قلبي

الأسنان المتساقطة مرض لا شفاءَ منه

وكذلك الأطياف المبللة

لندع كلَّ شيءٍ يأخذ مجراه، لينتشر البرد

ولتمتد مياه البحر الشفافة

حين أنام، تستيقظ أنت. تنصتُ رموشك

إلى أوراق الأشجار المتساقطة إلى جانب البحر

هذه ذاتٌ أخرى لي أعجزُ عن تمييزها

ذاتٌ رحلت قبل أن تولد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.