ثمة حكاية في ما مضى

قصيدتان للشاعرة الصينية مينغ دي

الترجمة عن الصينية: يارا المصري


أن تفقد الكلمات

الريحُ مثل غرابٍ أسود، ما أن تفتحَ فمها تُظلمُ السماء، تتبدل،

الريح تطيرُ صوبي، تقبضُ على عيني،

حنجرتي وأحبالي الصوتية ــ نايٌ حزينٌ يئن، كلُّ ثقبٍ فيه

مسدودٌ بفعلِ التنبؤِ بالطقس.

كانت للريحِ جذورٌ من قبل كالشجر، ممتدةٌ في أرضها ــــ

بعد فقدانِ الأم، تكون الريحُ أوراقاً ذابلة، تحملُ لغتَها الأم وتُحلِّقُ في الهواء، لا أعرف

صوبَ أي جهة

إلى أن تستعيد خضرتَها، أو تضعَ معطفاً من أي لون،

تجمعُ السُّحبَ المتراكمة، وتحلق إلى الداخل، وتشقُّ صدرَها إلى نفق ــ

تتظاهرُ بأنها برق، بأنها رعد، ثم، إلى أرومة شجرة

ميتة، عارية، صامتة، بدون جذور.

ثم، يُرجَّعُ صدى، من البقايا المحترقة، ثم ريشة

تُحلِّقُ بخفة،

الفراغ، أن أرى نفسي من أعلى الدخان حيث أكون، هو عيني

تنظر إلى بؤبؤي.


البحث عن المايا

في المكان الذي اختفت فيه أختي المايا

      انشقت الأرضُ إلى محيطاتٍ وجزر   


في ما مضى كان ثمة سحابةٌ ضخمة

لوّح أبي بيده فانشقت إلى سماءٍ وأرض.

في ما مضى كان ثمة ريحٌ وتراب

فصيّرت والدتي التراب بشراً.

كان لا بد من النور، فَوُجِدَ النور

كان لا بد من الكلمات، فَوُجِدَت كلمةُ الزهرة،

وكلمةُ الحجر. في ما مضى، طارت سمكةٌ من الزهرة

محلقة بين السماءِ والأرض.

في ما مضى، حلَّقت شمسٌ من فمِ سمكة. ثم شمسٌ أخرى.

ثم شمسٌ أخرى. ثم شمسٌ أخرى. وصارت الأحجارُ حيوانات،

عاجزةً عن تحمل حرارةِ الشمس ونورها

فركلها والدي، ركل تسعَ شموس،

وأبقى على واحدةٍ في السماء لتقصَّ حكاية. في ما مضى كان ثمة حكاية،

أختي المايا وأنا حفرنا على الصخور، وعلى البامبو

وعقدنا خيوطَ الكلام

كانت تحب أن ترسم أسناناً للزهور، وترسمُ أرجُلَ للطيور والأسماك،

وكان للمخلوقات كلها أجنحة، تحلِّقُ بها هنا وهناك،

لكنها أرادت أن تبقيهم على الأرض،

لذا وقع الزلزال، وانشقت الأرض،

انشقت إلى قاراتٍ وجزر،

رأيتها تطفو بعيداً، بعيداً إلى محيطٍ

فصلَ بيننا.

آلافٌ من السنين حلَّقت فوق الجبال، آلافٌ من السنين حلَّقت فوق البحار والمحيطات

الكلماتُ جعلتني خالدة.

ذهبتُ إلى اليابان للبحثِ عنها، رأيتُ كلماتٍ كثيرةً متشابهة، لكنها لم تكن موجودة.

ذهبت إلى ماليزيا، أندونيسيا، الفلبين، هاواي،

وجزر المحيط الهادئ، إذ كان لها أثرٌ هناك،

إلى أن وصلت إلى جزيرةِ الفصح، ومن هناك ذهبتُ إلى تشيلي

وبيرو، حيث تركت لها في بيرو دليلاً لتعثرَ عليّ.

اتجهتُ شمالاً، وأخيراً، في غواتيمالا والمكسيك

عثرت على أحفادِها في الكهوفِ والأحياءِ الشعبية، وقد تخلَّوا عن

نقوشَ طيورِها وأزهارِها

وكتبوا بالحروفِ الرومانية،

وتحدثوا عن الشِّعر، كما لو أنَّ الشِّعرَ بدأ في إسبانيا، متجاهلين

تاريخهم الشفاهي وكتابتهم القديمة.

أختي المايا ماتت.

مات نصفي الآخر.

“اصمتي!” صوتٌ جاءَ من البحرِ الكاريبي

“احكِ قصَّتكِ فحسب”.

أجل، يا سيدي، هذه هي قصتي،

أنا صينية، سومرية، مصرية، إفريقية، من الزولو،

من المايا، من الإسكيمو، من قومية سامي، من قبيلة شيروكي،

من النافاجو، من سانت لوسيا، أنا إمَّا لا شيء

أو طير، سمكة، السماء، محيط، قوس قزح، مطر، غابات مطيرة، الريح،

كلُّ الأشياءِ في واحد.

مينغ دي: شاعرة صينية معاصرة ومترجمة. درست الأدب الانجليزي وعلوم اللغة في الصين وفي الولايات المتحدة. مؤسس مشارك ومدير تحرير مجلة (Poetry East West)، وشريك في مشروع وموقع Lyrikline في برلين منذ عام 2011. صدر لها ستة كتب شعرية وأربع ترجمات. وتعيش الآن بين بكين وكاليفورنيا.

من أهم ترجماتها:

Marianne Moore’s Observations (Sichuan Wenyi, 2018)

New Cathay: Contemporary Chinese Poetry (Tupelo Press 2013)

New Poetry from China 1917-2017 (Black Square Editions 2019)

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.