غرفةُ نومِ امرأةٍ عزباء ـ 2 ـ

نصوص للشاعرة الصينية: يي ليّ


دعوة

دعوةٌ تبعثُ في نفسي الراحةَ وكأنَّ حِملاً ثقيلاً قد أُزيح

أجلسُ على كرسي الخيزران شاردة  

وافقتُ على مقابلته لأجل بحثه

نحن صديقان مقربان، صديقان مقربان، صديقان مقربان فحسب

لماذا لا يسألني عن أي شيء

كلما نلتقي يتحدثُ عن الحداثة، عن الكوميديا السوداء

لكنه لا يُطبق عملياً ما يعرفه

هو ذكيٌّ، واسعُ الخبرة

لكنه، رغم كل شيء، طفل

هو ودودٌ، ظريفٌ ولطيف

لكن ليس بوسعه إلَّا أن يكون طفلاً

هو دَمثٌ، ومهذب

سيظلُ إلى الأبد طفلاً، طفلاً

ـــ لا يمكنني إثبات أنَّني امرأة

هل حفلُ الزواجِ نقطةُ تحولٍ

أو هل بوسعِ الناس إنقاذ أنفسهم أو إنقاذ بعضهم البعض

أنتَ لا تأتي وتعيش معي.


غناء منفرد يوم الأحد

لم يصطحبني أحدٌ في نزهة يوم الأحد

الحديقةُ العامةُ الأشدُّ فظاعةً، لا أجرؤ على الذهاب إليها

غنيتُ كل أغنية في دفتر الأغاني

مضيتُ متجولة في الحمامِ التركي

من بعد وجبة الإفطار أغني حتى المغيب

غنيتُ الشعر كـ 1

غنيتُ العينين كـ 2

غنيتُ الأذنين كـ 3

غنيتُ الأنف كـ 4

غنيتُ الوجه كـ 5

غنيتُ الفم كـ 6

غنيتُ الجسد كله كـ 7

يحيا شعار ابن عمي الشهير ــ

الغناءُ هو أنينُ الروحِ

والموسيقى تجعل الألمَ مُحتملاً

الوحدةُ عظيمة

(لستُ بحاجة لأن أكون عظيمة)

العينانِ المتعبتانِ تستريحان على الجدران

الشَّعرُ يحلق أسفل السقف كخفاشٍ أسود

أنتِ لا تأتي وتعيش معي.


مناقشات فلسفية

أقرأُ عن الفلسفة المادية بصوتٍ مسموع

المادةُ أولاً

لا أصنعُ أي مادةٍ

مْن بحاجةٍ لي في هذا العالم

حتى أنني لم أنجب أطفالاً

أي لم أتحمل المسئولية الأساسية للبشرية

قربَ كومة مسوداتٍ باليةٍ

أتناقشُ في الفن وأتناقش في الفلسفةِ

أولاً، الوجودية

ثانياً، الدادائية

ثالثاً، الفلسفة الوضعية

رابعاً، السيريالية

وفي النهاية اكتشفتُ سر البشرية

أن تعيش لأجل العيش

ما إذا كان ثمة معنى للحياة

وما هو المعنى الأسمى

أنا نفعٌ عديم الفائدة

أنفاسي في كل مكان

عزمت على أن أتزوجَ زواجاً بلا معنى

أنتَ لا تأتي وتعيش معي.


ليلةٌ عاصفة

العاصفةُ الممطرةُ كرجلٍ يجلدُ الأرض

الاضطرابُ يخفتُ في لحظةٍ إلى سكونٍ عميق

ستُّ رغبات مختلفة اجتمعت مع بعضها

في هذه اللحظة أريد كلَّ شيءٍ ولا شيء

العاصفةُ الممطرةُ سدَّت كل الطرق

كم هو مبهج أن تكونَ مدفوعاً لليأس

تخليتُ عن كل الخطط المملة  

سأدع الحياةَ تمضي

عطّلت العاصفةُ الممطرُ الساعةَ البيولوجيةَ لفترةٍ قصيرة

آه، فرحةُ التوقفِ عميقة

توقفي إِذَن[1]

أُفضِّلُ الموتَ على الأرض

أنتَ لا تأتي وتعيش معي.


حلمٌ رمزي

أنا بمفردي أشغلُ هذه الجدران الأربعة

تحولتُ إلى مستطيلٍ باهت

حلمتُ حلماً مستطيلاً

السماءُ المتسطيلة تحولت إلى برج الأسد

تارةًّ يلمع رأسه

تارةًّ يلمع ذيله

وفجأة يتحولُ إلى خيولٍ بريةٍ بدون رسن

تعدو إلى الكون الشاسع

التفَّ اللجام بوهن وتدلى

الكونُ قاتمٌ وبلا دروب

كلُّ خطوةٍ مثل هوةٍ سحيقة

الروحُ الحرة اختفت بدونِ أثر

ربما ماتت شابة ذات يوم

أنتَ لا تأتي وتعيش معي.


شمعة عيد الميلاد

شمعةُ عيد الميلاد مثل كومة نجوم

سقفُ الغرفةِ نظامٌ شمسيٌّ مغلق

الفضاءُ شاسع

خلقَ الكونُ الإنسانَ بدون قصد

ميلادنا محض صدفةٍ

هل ينبغي تقديرُ الحياةِ أم تبديدها

كبحُ جماحها أم تركها حرةً

أمْرُ الإله: عيدُ ميلادٍ سعيد!

ضَحِك كلُّ رافعي الكؤوس

مرحبين بعامٍ آخر يقتربُ من الموت

لأنَّه خوفُ البشرِ كلهم

لذلك لا يخاف الكل

للشباب أن يكون أقصرَ من الشمعة

اللهب على وشك أن يخمد  

هذا ألمي، أنا

أنتَ لا تأتي وتعيش معي.


سجائر النساء

أُدخنها لأنها رفيعة وظريفة

تُشعل رغبتي في أن أكون امرأة

أحب وضعية تدخيني

بها لمسةٌ جماليةٌ عالمية

خَلَق دخانُ السجائرِ حالةَ فوضى

وأصبحت الوحدة حلوة جداً

تصفحتُ هذه الجريدة

تُنفَذُ حملات الإقلاع عن التدخين على نطاق واسع

وتحصل على دعم كبير

يدعمونها بدون تنفيذ

أو لا يدعمونها فضلاً عن التضحيةِ من أجلها

من بوسعه المقارنة بين مزايا وأضرار التدخين

يجب على التدخين والإقلاع عنه أن يكونا متآلفين

كلٌّ يأخذ حاجته

من الذي وضع قاعدة عدم الإقلاع عن التدخين

فأصبحت الطبقة العليا لذلك أكثر سحراً

وأصبحت الطبقة الدنيا مُجرَّمة

أريدُ أن أكون بريئةً الليلة

أنت لا تأتي وتعيش معي.


تفكير

جمعتُ كل الوقت المتبقي لأفكر

ومنحت التفكير شكلاً: التجول في الغرفة

عمَّقتُ ما مررت به من خبرات

غيرتُ كل ما لم أحصل عليه إلى ما حصلتُ عليه

حوّلتُ كل ما لم يحدث إلى أوهام

فكرتُ في كل ما لم أستطِع فعله

فكرتُ في كل ما أخشى قوله لك

النظامُ مشوَّشٌ باضطرابِه في خفاءِ الأرض

أنظرُ إلى الأعلى باستسلامٍ وأفكِّر

الشبكة والسهم فقدتا الهدف

أطلقتُ العنان لتفكيري

أريد الحصول على فيزا للذهاب إلى المملكةِ المثالية

لكني قلقة أن تكون مزدحمةً بالسكان

أنت لا تأتي وتعيش معي.


أملٌ ميؤوس منه

هذه المدينةُ الصاخبةُ شديدةُ الخواء

الهدفُ مكشوفٌ في الغرفةِ الصغيرة

وثمة حراس على مدار الساعة

آتي وأذهب بمفردي، يملؤني الرعب

لا يمكنني البقاءُ بدونِ أذى

عيون الناس حادة وتدميني

أتضرع إلى الإله أن يمنحَ العامة

نصف ثمرة جوز الهند بدون فتحات

سُدت الدروب بعواقبٍ غير مرئية

بأملٍ ميوؤسٍ منه أنتظرك كل ليلة

هل ستندلعُ حرب عالمية إن جئت؟

هل سيتصدعُ سدُّ النهرِ الأصفر إن جئت؟

هل سيسوء الطقسُ إن جئت؟

هل سيؤثر مجيئك على حصادِ القمح؟

لا يوجد شيء يمكنني القيام به في مواجهة ما أكرهه

وأكثر ما أكرهه هو نفسي

أنتَ لا تأتي وتعيش معي.


[1] من الجملة الأخيرة التي قالها فاوست: توقفي إِذَن.

ولدت الشاعرة عام 1951 في تيانجين. بدأت في نشر أعمالها عام 1974. عاشت في موسكو في التسعينات. نشرت العديد من الدواوين الشعرية منها (غرفة نوم امرأة عزباء) والذي اخترت منه هذه القصائد. تعد الشاعرة يي لِيّ من أهم شاعرات الثمانينات. توفيت في الثالث عشر من شهر يوليو الفائت على إثر نوبة قلبية مفاجئة. كتبت الكاتبة والصحفية وو أنغ في رثائها للشاعرة: كانت دائماً تبتسم لي وتقول: إن الإشارة السرية بيننا نحن الذين نكتب الشعر هي “أننا نكتب الشعر”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.