الجسر

الجسر


قصة الكاتب: تان قي
ترجمتها عن الصينية: يارا المصري
وقت بزوغ الفجر، اشتد المطر فجأة. مضطرباً. عاصفاً.
كان الفيضان يزأر مندفعاً، كمجموعة أحصنة برية مرعوبة، تنطلق بجنون راكضة من وادٍ جبليّ، مندفعة بقوة لا تقاوم.
استيقظ موقع العمل مذعوراً. تقلّب الناس ونزلوا من فراشهم، ولكن أرجلهم غمرها الماء. صرخ أحدهم مرعوباً، فتزاحم أكثر من مائة شخص مندفعين ناحية الجنوب. ولكن، مياه الفيضان التي بلغ ارتفاعها أكثر من ذراعين كانت قد بدأت تتراقص على الطريق. فعاد الناس أدراجهم بجنون مرة أخرى. 
في الجهة الجنوبية الغربية لا يوجد طريق. يوجد فقط ذلك الجسر الخشبي الضيق في الجهة الشمالية.
كان الموت يقترب داخل الفيضان مكشراً عن أنيابه وضاحكاً.
تزاحم الناس متعثري الخطى باتجاه ذلك الجسر الخشبي.
أمام الجسر الخشبي، في موضع لم تكن فيه المياه عميقة، كان يقف سكرتير الحزب التابع للمنطقة، ذلك الشخص العجوز الذي كان موعد تقاعده قد اقترب.
كان ماء المطر يسيل على وجهه النحيل. لم يتحدث، بل كان يحدق في الناس التي تتحرك في فوضى. كان كالجبل.
توقفت خطوات الناس، وتطلعوا إلى الرجل العجوز.
قال الرجل بصوت أجش: “الجسر ضيق. قفوا في صف، لا تتزاحموا. وليصطف أعضاء الحزب في الخلف”.
صرخ أحدهم: “أعضاء الحزب بشر أيضاً”.
رد شخص آخر: “إن هذا ليس تصوير فيلم”.
رد الرجل العجوز بفتور: “من يريد الانسحاب من الحزب، يسجل اسمه عندي”.
لم يرد أحد، واصطف أكثر من مائة شخص بسرعة، ومروا بانتظام بجانب الرجل العجوز باتجاه الجسر الخشبي الوحيد.
ارتفعت المياه شيئاً فشيئاً، ولعقت خصورهم بعبث.
فجأة قبض الرجل العجوز على فتى وسحبه من الطابور، وشتمه قائلاً: “عليك اللعنة أَلست من أعضاء الحزب؟ ستكون آخر شخص يعبر الجسر!”. كان الرجل العجوز شرساً كفهد.
حدق فيه الفتى بنظرة عميقة، ثم وقف جانباً.
كان الطابور منظماً.
بدأ الجسر الخشبي يرتجف، بدأ يئن في ألم.
الماء، صعد إلى صدر الرجل العجوز. في النهاية، لم يتبق غيره وذلك الفتى.
دفعه الشاب قائلاً: “اذهب أنت أولاً”.
فزأر الرجل العجوز قائلاً: “كفاك هراءً، اذهب بسرعة”. ودفعه بكل قوة ناحية الجسر الخشبي.
فجأة، انهار الجسر الخشبي. واختفى الفتى.
وبدا أن الرجل العجوز كان على وشك أن يهتف بأمر ما، ولكن، ابتعلته موجة هو الآخر.
العالم لامتناهي.
بعد خمسة أيام، انحسرت مياه الفيضان.
سيدة عجوزة، يسندها أحدهم بذراعه، جاءت هنا لتقيم حفل تأبين.
جاءت لتأبين شخصين. زوجها وابنها.
عن الكاتب: تان قي
اسمه الحقيقي تان تونغ جان. ولد في مدينة خوبي عام 1954. كاتب وصحفي، عضو في رابطة الكتاب الصينيين. بدأ الكتابة في عام 1977، وفي عام 1978 بدأ في نشر أعماله. ترجمت أعماله إلى العديد من اللغات كالانجليزية واليابانية والفرنسية وغيرها. حازت أعماله العديد من الجوائز. وقصة (الجسر) حاصلة على جائزة الأعمال الإبداعية المتميزة لعام 1989- 1990 في الصين.


اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.