“في قصائده ليس ثمةَ عائلة”

“في قصائده ليس ثمةَ عائلة”

قصائد للشاعر الصيني “هان دونغ”

نعي

….

ثمةَ طريقٌ من البيتِ إلى المُستشفى إلى قاعةِ الجنازةِ إلى المجهول

يقولون إنَّه من الراحةِ إلى المرضِ إلى المقاومةِ إلى التحرر.

هذا طريقٌ مستقيم، تسيره كما رغبت

يقولون إنَّه دوران مستمر، تعود إلى حيثُ كنتَ

حين تغادر البيت، نكون جميعاً هنا

وحين تعود، يرحل الجميعُ واحداً تلو الآخر، بعيداً.


ثمةَ طريقٌ من البيتِ إلى السطحِ إلى الأرضِ إلى قاعةِ الجنازةِ إلى المجهول

يقولون إنَّه من الألمِ إلى الصراعِ إلى التحررِ أخيراً

هذا طريقٌ مسدود، تسيره وفقَ رغبتك

يقولون إنَّه دورانٌ مستمر، حيث تعودُ مرَّةً بعد مرةٍ إلى السطح

حين تكون هناك، لا أحد منَّا يكون هنا

وحين تُحلِّق، يكون الجميعُ تحتكَ زاحفاً


“كلُّ مكانٍ هو دربُ الرحيلِ عن البيت” ــ كتب الشاعر

لكن ليس ثمة طريقٌ يعيدكم إليه.


في الحلم، يكون دوماً، على قيدِ الحياة

……………………………….

في الحُلمِ يكون دوماً على قيدِ الحياةِ

لكنَّه مختبئ.

حين علمنا هذا الخبر

انطلقنا للبحثِ عن أبي.

كانت أمي على قيدِ الحياةِ أيضاً

اصطحبتنا إلى فندق.

صعدنا الدرج، هبطنا الدرج

فتحنا كلَّ الأبوابِ المُرقَّمة،

بحثنا في رفِّ طستِ الغسيل، في السريرِ الضيق

ليس ثمة أبٌّ هنا.

كنتُ بمفردي حين عثرتُ عليه،

غادرت أمي وأخي الكبير.

كان مختبئاً في الأعماق، في نهايةِ الردهة

داخل غرفةٍ متواضعة،

حتى أمي كانت ستتجنبها.

كان متختبئاً في الأعماق، لأن

الذي فتح الباب كان شاباً

لكني أعلم أنَّه والدي.


سأعيشُ هكذا

………….

إنْ كان ثمة حياةٌ أخرى، سألقي عليها نظرة هادئة.

كلُّ نظرةٍ خاطفةٍ ستصبحُ ساكنة

أنظرُ إلى شيءٍ واحد، وأنتهي

فأضعه جانباً، وأنظرُ إلى شيءٍ آخر.

هكذا سأعيش، النظرةُ هي الوداعُ الأبدي.

لن أبحث بعيني ـ لن أستخدم النظرةَ في البحث

بل سأستخدمُها في الحب

الحب، الذي يحملُ الموت.

مثل ثمرةٍ ناضجة

لن أتناولها، بل سأنظر إليها

إلى أن تتعفَّن

وفي الوقتِ ذاتِه

تحيا في قلبي من جديد.


مذكرات

…..

“ثمة شيءٌ ربما ينبغي أن أخبرك به…”

ــ عن نهايةِ شخصٍ ما


ابتسمَ بلطفٍ في العتمة،

بوادعةٍ كالاتكاءِ على العدم

“على الأرجح هكذا، لا يمكن التأكد في النهاية…

ربما ينبغي، على الأرجح…”

الكلماتُ الحكيمةُ مثل خيطِ إبرةٍ في يدِ أمٍّ حنون

ترتقُ ثوباً مليئاً بالرقع

لكنّ هذه قصةٌ لا يمكن إصلاحها.

“يا للأسف!” ــ عُقِدَت عقدة.

العقدةُ في قلبي تحاول اختراقَ ثقبِ الإبرة

وأوراقُ الشجرِ في المغيبِ لامعةٌ لامعة.


جولةٌ في المقبرة

……………..

إنْ دخلتَ إلى مقبرةٍ

ستدركُ أنَّها أكثرُ اتساعاً من السوق.

إنْ رأيت الكراسي الحجرية،

ستدركُ أنَّ العالمَ قد أدَّى مسرحيةً كبيرة.


إنْ شعرتَ بدوارٍ بسبب تموجاتِ تربةِ القبور

ستدركُ محيطَ الحياةِ وعِظَمَ الموت.

إنْ كنتَ حزيناً، اقبضْ على عشبةٍ وابكِ

هذا يستحقُ، ومسموحٌ أيضاً.


إنْ اشتقتَ إلى أمك، فلتحنّْ لجميعِ الموتى

الحنينُ إلى الموتى يمنعكُ عن ملاحقةِ الأحياء.

إنْ آلمتكَ أسنانُك تناولْ مسكناً،

وإنْ آلمكَ قلبُك، تخلَّ عنه.


إنْ كنتَ منهكاً، سِرّْ أبعدَ قليلاً،

وإنْ شعرتَ بالوحدةِ، اعتبر نفسكَ كأنَّكَ لم تولد.

وإنْ دهمك الجوعُ والعطش، مُدَّ يديك اللتين كورقتي شجر

ليُدمَغَ عليهما لهبُ الشمس وبرودةُ المطر.


الشاعر

…….

في قصائده ليس ثمةَ عائلة.

ثمة أصدقاءٌ، عشاقٌ وعابرون.

يحبُّ السفرَ إلى أماكن بعيدة

يكتبُ عن الرجالِ والنساءِ الذين يصادفُهم أحياناً

أو يتجاوزُ حدودَ البشر

ويكتبُ عن خيلٍ، عن ثعلبٍ.


بوسعنا ترتيبُ الشخصياتِ التي تدخلُ في قصائدِه،

من البعيد إلى القريب: الحيوانات البرية، الماشية، الغرباء

شخصيات الكتب والنساء اللواتي وقع في غرامهن قبلاً.

كلَّما اشتدَّت صعوبةُ رؤيتِها، اقتربت في الذاكرة

كان أغلبَ ما يكتبُه “أنا”

يبدو جلياً كم كان غريباً عن نفسِه.

هان دونغ: شاعر وكاتب ومخرج. ولد عام 1960 في نانجينغ. بدأ نشر أعماله في عام 1980. انضم إلى اتحاد الكتاب الصينيين في عام 1990. في عام 2017 ، أخرج الفيلم “عند رصيف الميناء” الذي أُدرج ضمن القائمة القصيرة في فرع “التيارات الجديدة” لمهرجان بوسان السينمائي الدولي.






اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.