أنا ابنُ الشمس

إلى نهرِ اليانغستي، وإلى الشبابِ مثلي

الشاعر الراحل “خاي زي”

 

أنا ابنُ الشمس

إلى نهرِ اليانغستي، وإلى الشبابِ مثلي

 

الترجمة عن الصينية: يارا المصري

 

ولد الشاعر الصيني خاي زي عام 1964 في مقاطهة آنهوي في الصين، والتحق عام 1979 بكلية الحقوق في جامعة بكين حين كان عمره خمسة عشر عاماً ، وعمل في قسم الفلسفة في جامعة الصين للعلوم السياسية. بدأ خاي زي كتابة الشعر خلال دراسته الجامعية، ويتحدث “خاي زي” في إحدى قصائده عن “دخوله بهدوء إلى برج القفز بالمظلات” ويقصد به الانتحار من مكان مرتفع، منهياً حياته بهدوء وإن كان على سكة حديد كما انتحر في اليوم السادس والعشرين من شهر مارس 1989 ملقياً بنفسه أمام قطار منقطة “شان خاي غوان”، وكان عمره آنذاك خمسة وعشرون عاماً.

 

أنا ابنُ الشمس

إلى نهرِ اليانغستي، وإلى الشبابِ مثلي

 

1

ذهبتُ إلى نهرِ اليانغستي في منتصفِ الصيف، وهناك، كانت مياهُ النهرِ عَكِرَة. وبعد صدمةٍ عميقة، شَعرتُ بأن جسدي وعقلي سكنا فجأة، سكنا للغاية، وكأن جسدي انفصل تماماً عن ذهني، وأحسستُ نفسي كرايةٍ بيضاء تطفو على صفحةِ الماء. وكان إحساسي مشابهاً حين قرأتُ كتاب

(العشب)[1]. بعد أن أغلقت صفحات ذلك الكتابِ الصغير، كان جناحا روحي وأذناها مُنبسطين بسكونٍ لفترةٍ طويلة.

ما هو الإنسان؟ لا أعلم على وجه الدقة، لكني كتبت هكذا عن اليانغستي:” أعلم أنني نهر/ وأعلم أنَّ جسدي نصفه دم ونصفه طمي”.

لا بد أن يعلم الإنسان ما هو، لا بد أن يدرك أن أنهاره وتاريخه عَكِريَن، لا صفاءَ فيهما، ولا بد أن يعلم أن ما يجري في عروقه هو دماء.

2

عند اليانغستي، عند هذا النهر القديم، وعيتُ فجأةً بشبابي. وخطر ببالي أصدقائي الشباب البشوشون: منهم مَن يُجري تجارب، منهم مَن يدرس في الجامعة، منهم مَن يكتب الشعر، منهم مَن يعمل في التجارة.

هبَّت رياحٌ قوية من الأرض الرحبة التي تتغذى على هذا النهر الواسع، رياحٌ تحمل رائحة البحر، رياحٌ باغتتنا في عصرٍ انتقاليٍّ مضطرب.

لا يزال النهر يجري، وأضيفت له كمياتٌ من المياه الصافية لتوسيعه وتنشيطه. ثم إنَّ أرواحَ الشباب دائماً أكثر الأرواح قرباً إلى العصر الجديد، وضجرُنا واضطرابُنا يعني أنَّ هـذه بوابةٌ هائلةٌ وغامضة.

واستمرار الشباب في ضجرهم هو أولاً حالةٌ مزاجيةٌ تعمُّ العصر، ولا يمكننا ببساطة أن نظن أنَّ جوته لم يكن يحكي إلَّا عن قصةِ حبٍّ عاطفية. وتكمن عظمة رواية “حلم المقصورة الحمراء” في أنها كانت تصفُ بصدقٍ الحالةَ النفسيةَ لمجموعةٍ من الشابات في العصر القديم.

والآن يأتي الزمنُ الجديد تياراً تلو الآخر، ويختل اتزانُ الإيقاعِ القديم، ومن المحتمل جداً أن يَصِمَ بعضُ الأشخاصِ الإيقاعَ الجديدَ بالصخب.

لكن التيار لن يتغير.

 

3

لنمضِ في طريقنا، من أجل الغد.

4

نضجتُ بدون أن أعي. حين نكاد نمضي أيامنا وحيدين، وليس ثمة من معرفة نتكئ عليها، وحين نسير في الطريق مضطربين، يغمرنا الصمتُ فجأة.

في تلك السنة عدت إلى قريتي وانشغلت تماماً. كانت الشمس قد أحرقت طبقاتٍ وطبقاتٍ من بشرةِ الناس هناك، وكنت حين أنتهي من العمل الشاق طوال اليوم أغفو مستلقياً على القش المنعش في الحقل. كبر أخي الصغير وأصبح رجلاً أصلبَ عوداً مني. وقد اختبرت بهجةً لم أشعر بها من قبل عندما كنا نعمل معاً. وفي الوقت الذي كنا في حاجة لأن نركز عملنا على شيء ما، كنا نتبادل نظرات سريعة فيما بيننا، ويا له من أمر ممتع! وربما هذه عاطفةٌ أخوية وصداقةُ رجال.

 

يا أصدقائي، لتتشابك أيدينا من أجل الغد.

أظنُّ، أن الصداقة الحقيقة هي شكلٌ آخر من أشكال النضوج.

 

5

نهر اليانغسي يتدفق وحيداً.

كنت أشعر بالوحدة أنا أيضاً، وكنت أحب بعض الأغاني الحزينة والقصائد. وأعتقد أن الإنسان من بين جميع المخلوقات الأخرى، هو الأكثر فهماً للوحدة، وقد مر عشرون قرناً، ولا يزال الطريق طويلاً أمامنا. إذن، هل سنختفي في تجاويف التاريخ؟ إن الإنسان، زائل، وحيد، وهكذا الشباب أيضاً.

 

الوحدة، ربما لأننا تواقون إلى الاتِّقاد

الوحدة، ربما لأننا لم نحترق تماماً

كتب شاعرٌ ما:

أنا ابن الشمس

ابن الشمس الذي لم يحترق تماماً بعد

6

شاعرٌ آخر كتب:

دع الأرضَ تعلم أنها الأرض

دع البذورَ تعلم أنها البذور.

 

 

[1] قصائد نثرية للكاتب الصيني لوشون

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.