” وانغ شياو ني” و” لو يي مين”” شاعرتان من الصين …… دع الضوءَ الأزرقَ ينساب

وانغ شياو ني” و” لو يي مين”” شاعرتان من الصين
دع الضوءَ الأزرقَ ينساب


الترجمة عن الصينية والتقديم: يارا المصري
لعل فترة الثمانينات في الصين، تعتبر فترة حاسمة وثورية في تطور الأدب الصيني المعاصر بجميع أشكاله. ولعلَّ ترجمتي للكثير من نصوص بعض الشعراء البارزين، مثل بي داو، قو تشنغ، و خاي زي، تشير إلى ذلك من حيث خروج الشعر الصيني في تلك الفترة وحتى اليوم عن نمطه الكلاسيكي.
لذلك آثرت تقديم شاعرتين هما ” وانغ شياو ني” و”لو يي مين” اللتين تعتبران من أبرز الشاعرات في الوسط الأدبي الصيني، رائدتين في مجالهما، ولهما من الأهمية والتقدير مثل بقية الشعراء الصينيين.
“وانغ شياو ني”
ثلج الجنة المتساقط في هدوء
تتميز “وانغ شياو ني” كما جاء في إحدى المقابلات “بأنها تهتم بما يتجاهله الآخرون” و”بأنها ذات ملاحظة نفَّاذة للتفاصيل”، كما أنها تهتم بتفاصيل الحياة اليومية والأشياء البسيطة وتدمجها في شعرها، وبالإضافة إلى ذلك، تعتبر من أبرز شاعرات ما يُسمَّى “بالشعر السديمي أو الضبابي”، الذي من رواده الشاعر “بي داو” والشاعر “قو تشنغ”
وُلِدت “وانغ شياو ني” عام  1955 في مقاطعة جيلين، وتخرجت من جامعة جيلين عام 1982، ثم عملت محررة أدبية للأفلام، واستقرت منذ عام 1985 في مدينة شينجين. وعدا كتابة الشعر، تكتب وانغ الرواية والنثر. وهي حائزة على العديد من الجوائز، وصدر لها أكثر من 25 كتاباً وتُرجمت قصائدها إلى اللغة الانجليزية. تعمل الآن أستاذة في جامعة خاينان. وهنا ترجمة لقصيدتين من أهم قصائدها.
أن أكون شاعرة من جديد
العمل
في أقصرِ نهايةٍ للقرن
تضطربُ الأرضُ
وينشغلُ الناسُ كقرودٍ بين الأشجار.   

أمَّا يداي فتكونا
مرخيتين بخمولٍ في سماءِ الصين.
الطاولةُ والرياح
صفحاتُ ورقٍ أبيضَ ناصع.
أجعلُ رموزي
تتحققُ في المنزلِ فقط.
حين أغسلُ الأرز
يقطرُ النشا كحليبٍ على ورقتي.
لكي يولد اليقطينُ من جديدٍ يمد أصابعه
ويصرخُ في ذعر.
خارج النافذة، يحملُ ضوءُ الشمسِ سكيناً ويجرح
ثلجَ الجنةِ المتساقطِ في هدوء.
البابُ موصد
من الصباحِ إلى المساء.
علَّقتُ الشمسَ في الزاويةِ التي أحتاجها
يقولُ بعضُ الأشخاص، في هذه المدينة
هناك شخصٌ ما، لا يعمل.
الجدرانُ مُحْكَمَة
والعالمُ يشعلُ نفسَه بين قطعتي زجاجٍ صغيرتين.
والفراشاتُ الكَتومةُ تُحلِّقُ في الأرجاء
وبلا وعيٍ كشفَ العالمُ عن أسراره.
أتنبأُ بألطفِ هبةِ رياحٍ في الأرجاء
بلا عينين.
بلا يدين.
بلا أذنين.
أكتبُ كلَّ يومٍ بضعَ كلماتٍ
مثلَ سكينٍ
تشقُّ عصارةَ ثمرةِ اليوسفي الخفيفةِ المتدفقة.
دع الضوءَ الأزرقَ ينساب
داخلَ عالمٍ لم يُوصفْ بَعد.
لا أحدَ يرى
ضوئي الناعمَ الرقيقَ كالحرير.
في هذه المدينة
أكونُ شاعرةً في صمت
الصفاء
حين يكون الأرز نصفَ ناضج
ينحسرُ السحاب.
أنظرُ خارجَ النافذة
حيث كُشِفَت السماء
هذه عينُ الرب.
أطفأتُ النار
ركضتُ أكثرَ من مائةِ مترٍ بعيداً.
أريدُ أن أصلَ إلى الأرضِ الشاسعةِ
وأراها.
شخصٌ جالسٌ في المنزل
شَهد معجزةً فجأة.
سمعتُ
صوتَ خريرِ الماء.
هذا صوتُ النباتاتُ حينما تنفعلُ مُتحمِّسَة.
الصفاء
أودُ لو أسبرُ غورك
فيما عدا الطقس
لا شيءَ يثيرني.
الصفاء
يقفُ على جبيني الآن
أزرق يَغشَى بصري.
رأيتُ عينيَّ الأعمى
ترتفعان فوقَ جسدي.
ولا مكانَ بلا كآبةٍ قاتمة
الصفاء
وكأنني حين أكتبُ الشعر
إلى أن أكتبه جلياً بسيطاً
يبدو هشاً وكأنَّه على وشكِ التَّكَسّر.
يمكن لشخصٍ أن يمسحَ
بلطفٍ نظارته
ولكنه لن يستطيع أن يواسي السماء.
سيظلُ الشعراءُ دوماً بلا حيلة.
عبرتُ عشبَ الخريفِ الطري
وعدتُ لأراقبَ النارَ أسفلَ القِدر.
حين يرفعُ المارةُ وجوهَهم
تبدو السحبُ كمجموعةِ أسماكِ نعابٍ سابحة.
زمنُ الصفاء والصحو الوجيز
هو وقتُ تقطيعِ حبَّتي بطاطس.
خيانة خِرقة
لم أكن أتوقع
أنَّه حالما أنظِّفُ الزجاج
سينفذ العالمُ إلى الداخلِ في الحال.
اختفى آخرُ ملجأ مع الماء
حتى أوراقُ الشجر عقدت حاجبيها
لأجلِ أن تتلصص.
لم أتوقع مطلقاً
أنَّ ساعتين من العمل و
خِرقة، ستفضيان إلى هذا الخطأ الجسيم
كلُّ شيءٍ بارعٌ في الخيانة
وهذه الحرفةُ اليدويةُ العتيقة
أُنجِزَت بخِرقةٍ ناعمةٍ متسخة
والآن أنا محاصرةٌ في غمرةِ خيانتها.
أعظمُ حريةٍ للآخرين
هي حريةُ النظر
خلال هذا الربيعِ الجميلِ المُبْهَم
يسيرُ التكعيبيون عبرَ قماشِ الرسم
وبقوةٍ خارقةٍ لعبورِ الحواجز
امتلأ كلُّ شخصٍ
وحياتي أصبحت مُختَرقَة.
مختبئةٌ في أعماقِ المنزل
مكشوفةٌ للآخرين خارجَ الجدرانِ الأربعة
ما أنا سوى جسدٍ مسلوبٍ عارٍ.
كرسيٍّ مُبطَّنٍ من خشبِ الدُرَّاق
وأنا مختبئةٌ داخلَ شرائحهِ الخشبية
وأفكاري مشوشة.
لابد أن يهبطَ الغبارُ على العالمِ فجأة
أفضلُ العودةَ إلى
نواةِ بذرةِ شجرةِ الدُرَّاقِ تلك
لا يوجد سوى الإنسان يُحبُّ السريَّةَ والتكتم
أود الآن أن أنتحل أيَّ شيء، سواه.
“لو يي مين”
هيَّا، لوِّنْ السماءَ أولاً بلونٍ برتقالي
وُلدت الشاعرة “لو يي مين” عام 1962 في شانغهاي، وتخرجت من جامعة شانغهاي للمعلمين – قسم اللغة الصينية في الثمانينات، وهي من أبرز شعراء ما يُطلق عليه “الجيل الثالث من الشعراء”، وهو جيل الشعراء الذين عاشوا في فترة السبعينات وبدأت أصواتهم في الظهور منتصف الثمانينات، بظهور مجموعات جديدة من الشعراء في كلٍّ من بكين، شانغهاي، نانجينغ، هانغتشو وسيتشوان. وقد انصرفت تلك المجموعات إلى فصل نفسها وتمييزها عن سابقيها، وبخاصة “الجيل الثاني من الشعراء” ومن بينهم شعراء “الشعر الضبابي”، والذي يمثله كما ذكرت سابقاً “بي داو” “قو تشنغ” والشاعرة “شو تينغ” وغيرهم. وكان ذلك الجيل الجديد يبحث عن هوية شعرية مختلفة ترتكز على فهم وإدراك أعمق لما تحويه اللغة الصينية من ثراء وتفرد، وقد اعتمدت أساليبهم الشعرية ورموزهم الجمالية على النظريات الأدبية الجديدة حينها كالبنيوية وما بعد الحداثة، وعلى الرغم من أن أعمالهم قدّمت أنماطاً فردية متنوعة، إلا أنها اشتركت في بعض النقاط مثل: تعقيد النص وغموضه، التركيز على التفاصيل المُعاشة والثقافة الشعبية واللغة المستخدمة في الحياة اليومية. ومن بين هؤلاء، يتميز شعر “لو يي مين” بأنه مفاجئ، ذو إيقاع سريع لكن لطيف، يحمل فرحاً وسعادة، لكنه يفيضُ حزناً.
الموت حلوى مُدوَّرة
لا أستطيع ما أن أجلسَ وأبسُطَ الورق
الحديثَ عن الموت
هيَّا، لوِّنْ السماءَ أولاً بلونٍ برتقالي
أبعِد القلم، وارتشف بضعَ رشفاتٍ من حساءٍ بائت 

الحياةُ بئرٌ صغيرة
تتسعُ لمختلفِ أنواع العصائر
تفيضُ بالمياهِ المُثقلةِ برائحةِ الأسماكِ والنباتاتِ الزنخة
وطعمُ العشبِ التقليدي الحلو والمر امتزجَ على اللسان
لابد أن يكون الموت نوعاً من الأطعمة
حلوى مُدوَّرةً  راضيةً وسعيدة
ظللت أفكر في موضوعي الأول
وفي لمحةِ عينٍ ذَكَرتُه كاملاً.
قلعة رملية
تلك الأسماك
التي عبرت التَّلَة
كيف لها أن تقضي حياتها
حتى ولو نمت لها يدان، قدمان وعقل
وروحٌ خالدة
فلن تجد لها ملجأً
شرفٌ عظيمٌ أن تكون موظفاً
يمكنك أن تمتطي الحصان
وتعثر على منبعِ الماء
لِمَ حباتُ الرملِ نظيفةٌ بلا شوائب
وتلمعُ متألقةٌ
وقويةٌ كالنجوم
وتوخزُ القلب؟
أقربُ إجابةٍ بجانبِ البئر
ولكننا أفسدنا
برودةَ الماءِ المُعتِم
الحلم
أعود بكآبةٍ إلى الجثة
فيبدو وجهها الواهنُ ذهبياً مرةً أخرى
هؤلاء الشعراء المنتحرون
يحملون ما تبقى من دفء النوم العالق
ويسكنون إلى جوارِنا
تستريح أرواحهم
على الجدارِ الخارجي
غيرُ بعيدة
أتمنى أن أكون وحيدةً بعد موتي
هناك الأرضُ جافة
مشمسةٌ طوال السنة
خاليةٌ من حشراتٍ
تزعج تنفس روحي 
بلا أشخاصٍ
يأتون في موتي ليموتوا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.