الشيخ والشجرة

الشيخ والشجرة



قصة: ليو قوه فانغ
ترجمتها عن الصينية: يارا المصري
أحياناً عندما تنظر إلى شجرة، تشعر، أنها كإنسان.
هناك شجرة كاكي، تشبه شخصاً.
شجرة الكاكي تشبه شيخاً.
لحاء شجرة الكاكي أسمر اللون، أغصانها منحنية، تبدو للشخص غليظةً ومُعَرَّقة، كوجه شيخ خُطَّ بالتجاعيد؛ أو، أن وجه الشيخ المليء بالتجاعيد يشبه شجرة كاكي مُعَرَّقة. كانت شجرة الكاكي تنتصب بشموخ في الأرض البرية، تنتصب معبرةً عن شجرة خبرت معركة الحياة. تبدو كشيخ كذلك، كشيخ خاض أياماً وسنوات من الشقاء، وبدت على وجهه تقلبات الحياة.
كان الشيخ يعيش على مسافة غير بعيدة من شجرة الكاكي، وكان يجب أن يمر بقربها دائماً. وكان يعامل الشجرة كأنها شخص بالفعل، حين يراها، يقول دائماً: “لقد شختِ أنتِ أيضاً!” ولا يقول الشيخ هذه الجملة فحسب، فحين تثمر، يقول الشيخ: “لا يزال بإمكانكِ أن تثمري.” عندما تنضج الكاكي، يقول الشيخ: “لقد نضجت الكاكي.” وحين يتساقط ثمرها، يقول الشيخ: “لا ثمار على أغصانك.” تسمع الشجرة كلام الشيخ، وتبقى ساكنة، لكنها ترفرف بأغصانها وأوراقها، كانت تلك ضحكة الشجرة.
في بعض الأحيان، تظن شجرة الكاكي أيضاً أنها شخص.
مرت امرأة قرب الشجرة، تمسك بيدها طفلاً، وكان ذلك وقت نضوج ثمار الكاكي، وما أن وقعت أنظار الطفل على الشجرة العامرة بالثمار، حتى قال لها: “ماما، اقطفي لي ثمار كاكي.”
فردت المرأة: “تلك شجرة أحدهم، كيف يمكنني أن أقطف ثمارها؟”
فهمت الشجرة حديثهما، فتمايلت بجذعها، وأوقعت ثمرتي كاكي ناضجتين على الأرض. رآهما الطفل، ثم التقط الثمرتين وقضم إحداهما، ثم قال: “ماما، هذه الكاكي مُسكرة للغاية.”
فهمته شجرة الكاكي، ثم رفرفت بأغصانها وأوراقها، وظلت تبتسم.
كان هناك بعض الصبية، تسلقوا شجرة الكاكي حين نضجت ثمارها ليقطفوها. تسلقوا عالياً، ولكن أحدهم اختل توازنه، فسقط من الشجرة.
مدت الشجرة غصنها وأمسكت الصبي. فلم يسقط على الأرض، وقال: “لحسن حظي وجود ذلك الغصن.”
قالت شجرة الكاكي في سرها: “بل أنا الذي أمسكتك.”
كان هناك بعض الصبية الأشقياء، كانوا يجذبون أغصان الشجرة ليقطعوها. ولكن محاولاتهم تفشل دائماً. فيقولون: “كيف لا نستطيع قطعها؟”
فتقول شجرة الكاكي في سرها: “كيف يمكنني أن أتركك تقطع يدي؟”
في أحد الأيام كان الشيخ مسافراً إلى مكان بعيد، وحين مر بالشجرة، توقف، ثم قال لها: “أنتِ بخير، تقفين هنا ساكنة، لقد كبرتُ في السن، وأصبحتُ ضعيفاً، أرغب بالفعل أن أقف ساكناً مثلكِ.”
قالت شجرة الكاكي في سرها للشيخ: “في الواقع أود السير، ليس فقط السير، بل أود الطيران، وإلا، فلماذا أنمو بقوة ومتانة إلى الأعلى، لكن لا أستطيع الطيران، جذروي تسحبني.”
بدا وكأن الشيخ سمع صوت الشجرة، فقال: “الأفضل ألا تغادري، ألا تكوني مثلنا، نمضي هنا وهناك من أجل العيش، نحن البشر لدينا مقولة هكذا تقال؛ كلٌّ يسعى لمصلحته الشخصية. أما أنتِ مختلفة، أنتِ دائماً هنا. كل الأشياء لا تغويكِ، إذا استطعنا نحن البشر أن نكون زاهدين مثلكِ سيكون أفضل لنا.”
قال الشيخ ذلك، ثم غادر.
ولكن بعد عودته، اكتشف أن شجرة الكاكي قُطِعت. غُصَّ الشيخ بالبكاء وصرخ: “من قطَعَكِ؟ لماذا قطعوكِ؟”
قالت شجرة الكاكي في سرها: “أنا لا أدري كذلك لماذا قطعوني؟ ربما لأنني شِخت.”
وقالت: “لم أكن أود أن يقطعني أحد، ما زلت أُثمر، يمكنني أن أحمل ثماراً كثيرة كثيرة.”
وقالت شجرة الكاكي كذلك: “للأسف لا أستطيع المشي، إذا كنت أستطيع، ما كان بإمكانهم أن يقطعوني”، ثم انهمرت دموعها.
طرف الشيخ بعينيه، ثم بكى.
ليو قوه فانغ:
يعتبر رائد القصة القصيرة جداً في الصين، عضو رابطة الكتاب الصينيين، ومدير جمعية كتاب مقاطعة جيانغشي. كتب نحو 2200 قصة، نُشرَ الكثيرُ منها في دورياتٍ صينية مثل “مجلة القصة القصيرة” ومجلة “القارئ” وغيرهما، حازت قصصه على عدة جوائز، وتُرجمت إلى الإنجليزية، والفرنسية واليابانية. وقصة “الشيخ والشجرة” حائزة على المركز الأول في الدورة الثالثة لمسابقة القصة القصيرة جداً على مستوى الصين عام 2004

نشرت القصة في مجلة دبي الثقافية – عدد فبراير 2016

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.