الشاعر الصيني “قو تشنغ”…… عينان سوداوان لالتماسِ النور


الشاعر الصيني “قو تشنغ”
عينان سوداوان لالتماسِ النور


الإعداد والترجمة عن الصينية: يارا المصري
“منحني الظلامُ عينين سوداوين
لكنني ألتمس بهما النور”
هذه القصيدة المكونة من سطرين بعنوان “جيل” والتي نُشرت في مجلة الشعر الصينية في الثمانينات، كانت السبب الرئيسي في شهرة الشاعر الصيني “قو تشنغ”، حيث اعتبرت أدق وصف وتمثيل لجيل ينشد المستقبل والمعرفة بعد عشر سنوات مظلمة من الثورة الثقافية. ويُعتبر الشاعر “قو تشنغ” الذي ولد في الرابع والعشرين من شهر سبتمبر عام 1956 في بكين، من أهم الشعراء الصينيين المعاصرين، ومن جيل الشعراء الذين تأثروا بأساليب الشعر الغربي وشعرائه كبودلير وريلكه وغيرهما، وهو أحد مجموعة الشباب الذين ظهروا في الثمانينات وأطلقوا على أنفسهم اسم “الشعراء الضبابيين”، ومثَّلهم الشاعر الصيني “بي داو” الذي رُشح لجائزة نوبل للآداب، ومع تأسيس مجلة “اليوم”، أتيحت للشاعر “قو تشنغ” فرصة السفر والتجول في أوروبا عام 1988، ليستقر في النهاية في جزيرة واهيكي في نيوزيلندا عام 1988. في عام 1969، وكان والده قد نُفي إلى الريف أثناء الثورة الثقافية لمدة خمس سنوات كنوع من إعادة التأهيل، حيث عاش في عالم وتجربة مختلفين عن العالم الذي حلُم به، ولعل تجربته تلك كانت السبب الذي دفعه إلى كتابة الشِّعر، حيث بدأ كتابته في سن السابعة عشر.
الشاعر الذي قتل زوجته:
في الثامن من أكتوبر عام 1993 قتل “قو تشنغ” زوجته “شيَّ يي” بفأس، ثم هرع إلى منزل أخته وأخبرها بما اقترفه، وبعدها شنق نفسه على شجرة. أما زوجته فقد توفيت في طريقها إلى المستشفى. جاء هذا الخبر مع تعتيم كامل عن تفاصيل الحادث، وبقي سبب قتل الشاعر زوجته وانتحاره مجهولاً إلى الآن، ومثار جدل الكثيرين، كونه شاعراً مشهوراً، احتفي به الوسط الأدبي ومهرجانات الشعر وغيرها.
وبهذه النهاية المأساوية، كانت حياة الشاعر “قو تشنغ” الذي أقدم لقراء مجلة رؤى ترجمة لبعض قصائده، على أمل أن أترجم أعماله الشعرية الكاملة قريباً.

الأرض متعرجة
الأرضُ مُتعرجة
لا أراك
لا أرى من بعيدٍ سوى
السماءَ الزرقاءَ في قلبك
هل هي زرقاء؟ زرقاء بالفعل
هذا اللونُ الأزرقُ هو اللغة
أريد أن أجعل العالمَ سعيداً
لكن الابتسامة تجمَّدت فوق شفاهي
أو أعطني سحابة
وبدّد هذا الجوَ الصافي
فعيناي تتوقان للبكاء 
وشمسي غالبها النعاس.
طرفة عين
في هذا العصر المغلوط، انتابتني هذه “الأوهام”
صدَّقتُ
ولم أحوِّل بصري
قوس قزح
الذي يتراقص عبر النافورة
تجول نظراته بلطف على المارة
ما أن طرفت بعيني ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
تحول ذلك إلى ظلال أفاعي
الجرس
الذي يستريح في الكنيسة
يقضم الساعات بهدوء
ما أن طرفت بعيني ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
تحول ذلك إلى بئر عميقة
الورود الحمراء
التي تتفتح على الشاشة
تحيي نسيم الربيع بحرارة
ما أن طرفت بعيني ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
تحول ذلك إلى مشهدٍ دموي
لكي أصدق
أبقيت عينيَّ محدقتين.
لا تخطُ هناك
لا تخطُ هناك
أظلم الليل
تناثرت بعض النجوم بهدوء
واحتضنت الأشجار الضخمة اليابسة
لا تخطُ هناك
الحلم عميقٌ للغاية
ليس لديك ريش
والحياة لا يمكنها أن تسبر غورَ الموت
لا تخطُ هناك
اذهب إلى أسفل الجبل
الحياة تقتضي التكرار
والتكرار هو الطريق
لا تخطُ هناك
وَدِّع اليأس
ودِّع الوادي في الرياح
البكاء، نوعٌ من السعادة
لا تخطُ هناك
ضوء المصباح
والأزهار النضرة على جانب الحقل
يهزان ستارة الفجر.
أحياناً
أحياناً يكون الوطن
قفصاً ضخماً
احتضنتني
أغصان الشمال الغضة
لأرى الشمس
لأملأ سلتي بالحب
ولأحب ريشة الشمس
نمنا في الأكف
كعصافير صغيرة
وحلمنا ببعضنا
حولنا نسيم أزرق
في الخريف
تتساقط الأوراق الصفراء.
قضية
الليل
يشبه مجموعة من الملثمين
يقتربون بتمهل
ثم يبتعدون
فقدتُ حلماً
ولم يبق في جيبي سوى أصغر عملة معدنية
“لقد سُرِقت”
قلت للشمس
ذهبت الشمسُ لتلاحق الليل
بينما تُطاردُ
من مجموعةِ ليلٍ أخرى.
إحساس
السماء رمادية
الطريق رمادي
البيوت رمادية
المطر رمادي
عبر ذلك المشهد الرمادي
تقدم طفلان
أحدهما أحمر زاهٍ
والآخر أخضر زبرجدي.
زقاق
زقاق
ملتوٍ وممتد
ليس به أبواب
ليس به نوافذ
أخرجت مفتاحاً قديماً
وطرقتُ الجدار السميك.


نشرت في مجلة “رؤى” الثقافية -عدد نوفمبر – ديسمبر 2015

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.