وكأننا التقينا في مرآة ….قصائد للشاعر: بي داو


وكأننا التقينا في مرآة
قصائد للشاعر: بي داو

ترجمتها عن الصينية: يارا المصري
“في تلك الأيام كان لدينا حلم، كان لدينا حلم بالأدب، بالحب، بالسفر حول العالم.
حين نقرع كوؤسنا الآن في الليل، صوت تصادم الكؤوس، هو صوتُ تَكَسُّرِ تلك الأحلام.”
هكذا يقول الشاعر بي داو.. الذي ترك الصين في شهر أبريل عام 1989، بعد اشتراكه في مظاهرات الطلبة الحاشدة في ميدان تيان آن مين.
أمضى بي داو حياته متنقلاً بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، ليعود إلى موطنه أخيراً في عام 2006، حيث يعمل الآن محاضراً في جامعة هونغ كونغ للغة الصينية. وكان بي داو أحد أهم مؤسسي مجلة “اليوم” التي تأسست في شهر ديسمبر عام 1978، وكانت من أهم المجلات الأدبية وأكثرها تأثيراً في المشهد الأدبي الصيني في ذلك الوقت، كونها تبنت أفكارَ جيلٍ ظهر منذ عام 1978 إلى عام 1989، جيل كامل من الشعراء تأثر بالشعراء الغربيين المعاصرين وأساليبهم الشعرية، وحاول بكل جهد التحرر وتحدي الأفكار الماوية عن الواقعية الاشتراكية. و”بي داو” هو اسمه الأدبي، ويعني “الجزيرة الشمالية”، واختار الاسم لأنه من شمال الصين ولأنه يفضل الوحدة. أما اسمه الحقيقي فهو جاو تشين كاي، ولد في بكين في الثاني من فبراير عام 1949، ورشُح من قبل لجائزة نوبل للآداب، كما عمل محاضِراً في جامعة ستانفورد، ودرَّس في جامعة كاليفورنيا وجامعة ألاباما. له العديد من الأعمال الشعرية والنصوص النثرية والقصص القصيرة منها: (وردة الوقت/ شعر)، (مغني منتصف الليل/ شعر)، (الغريب الذي عاد/ قصص قصيرة)، (البيت الأزرق/ نصوص نثرية). وقد ترجمت أعماله إلى الكثير من اللغات، ويعتبر من أهم الشعراء داخل الصين وخارجها. وهذه نصوص مترجمة عن اللغة الصينية للشاعر بي داو، الغريب الذي عاد إلى وطنه.
مرحباً، يا جبل باي هوا
صوت موسيقى يتهادى،
ندفة ثلج في يدي ترتعش بخفة.
حين انقشع الضباب الكثيف
ظهرت قممُ الجبال المرتفعة والهابطة كالألحان.
جَمعتُ من قبل ميراثَ الفصول الأربعة
في وادي الجبل، لا يوجد أثر لحياة.
واستمرت الزهور البرية التي قُطِفت في النمو،
تفتحها، ذلك، هو وقتُ الموت
بمحاذاة الدرب الضيق في الغابة العذراء
تشتتَ ضوءُ الشمس الأخضر بين الشقوق.
طائرُ بازٍ أحمر،
ترجمَ بلغةِ الطيور الشائعاتِ المخيفةَ في هذا الجبل.
صرختُ بقوة:
“مرحباً، يا جبل – باي – هوا – “
“مرحباً، أيها، الطفل.”
كان الصوتُ قادماً من شلالٍ بعيد
تلك رياحٌ داخل رياح،
تثيرُ صدىً في العالم، تجعله مضطرباً.
همستُ،
وسقطت ندفةُ الثلج في يدي إلى الهاوية.
بدون عنوان
سيظلُّ الأمرُ هكذاً دائماً وأبداً
النار، هي مركزُ الشتاء
وحين تشتعلُ الأشجار
لن يكون هناك سوى الأحجار التي ترفض أن تحيطها
تعوي عواءً مسعوراً
توقف الجرسُ المعلَّقُ على قرن الأيل
الحياةُ فرصةٌ واحدة
ما هي إلَّا فرصة
مَن يبرهن الزمن
هو مَن يشيخ فجأة.
خواء
الفقرُ خواء
الحريةُ خواء
في عينيِّ التمثال المرمري
النصرُ خواء
اندفعت الطيورُ السوداءُ من الأفق
لتكشفَ بُقعَ شيخوخةِ الغد
اليأسُ خواء
في قاعِ كأسِ صديقي
الخيانةُ خواء
في صورةِ الحبيبة
الكره خواء
تلك الرسالةُ التي طال انتظارها
الزمنُ خواء
سربُ ذبابٍ منحوس يغطِّي
سقفَ المستشفى
التاريخُ خواء
هو شجرةُ العائلةِ المستمرة
ما أن تموت، حتى يمكنك حينها الحصولُ على برهان.
الشِّعْر
لم يتبقَ من المنزل الكبير الذي كنت أملكه،
سوى طاولة، تحيطها
أرضُ مستنقعٍ ممتدةٍ متراميةِ الأطراف
يطلُّ علي الغد من زاويةٍ مختلفة
والحلمُ الهشُّ لا يزال منتصباً
في البعيد، كسقالةٍ لم تُهدم بعد
وهناك آثارُ الأقدامِ الموحلةِ على الورقِ الأبيض
وذلك الثعلبُ الذي ربيته لسنواتٍ عديدة
يحرك ذيله الأحمرَ الناريَّ يميناً ويساراً
يمدحني، يجرحني
وبالطبع، هناك أنتَ، تجلسُ أمامي
تتباهى بما في قبضتِك من برقٍ في يومٍ صحو
تتحول إلى حطب، ومن ثَمْ إلى رماد.
بدون عنوان
بالنسبة إلى العالم
سأظلُّ إلى الأبد شخصاً غريباً
لا أفهمُ لغته
ولا يفهمُ صمتي
وتواصُلنا معاً
ما هو إلَّا بعضٌ من الازدراء
وكأننا التقينا في مرآة
بالنسبةِ لي
سأظل إلى الأبد شخصاً غريباً
أخافُ الظلام
ولكني أصد بجسدي
بصيصَ النور الوحيد
ظلِّي هو الحبيب
وقلبي هو العدو.
صورةُ الشاعر في شبابه
ذلك الوحي الذي انسل من كُم القميص
لا ينتهي، وأنتَ
تجتازُ ليلَ نهارِ الجُمل الطويلة
والحارات، أنتَ
تشيخ ما أن تُولد
على الرغم من أنَّ تطلعاتك العظيمةَ لا تزال كالعادةِ تنمو
على أطرافِ أرضٍ جرداء
حين تنزع سِنَّاً اصطناعية، تكونُ
كالأطفال
وما أن تلتفتَ حتى تكتبَ اسمَك
على جدارِ الحمامِ العمومي
ولأنك تعاني خللاً في النمو
ينبغي عليك أن تبتلعَ بضعَ أقراصِ هرمونٍ كلَّ يوم
وتُرقِّقُ صوتَك
كالقطةِ الهائجةِ في البيتِ المجاور
تسعُ عطساتٍ متتالية
تسقط على الورق، وأنتَ
لا تخشى التكرار
وفوق ذلك ليس من الضروري أن يكون المالُ شريفاً
ولكن الناسَ جميعاً
تزأرُ بعنفٍ وجنون
لتُذكِّركَ أن تمتدح
القمرَ الذي دفع مصاريفَ التأمين
أو تمتدحَ الفأسَ التي لم
تدفعها، الهموم
أكثرَ ثقلاً من الأفكار
البردُ قارسٌ، وقد اسْوَدَّ
الدم، والليلُ
أشبه بإصبعِ قدمٍ كبيرةٍ تَخدَّر
بفعلِ البرد، أنتَ
تَعرُج
وتدخلُ الغابةَ الصغيرةَ بجانبِ الطريق
لتقابلَ شِلَّةً من الأصدقاء مُتوجةٌ رؤوسُهم بأكاليلِ الغار
كلُّ شجرةٍ
تسكنها بومة
عندما أقابل أصدقاءً يوجعني رأسي
يحبون دائماً ذِكرَ الماضي،
في الماضي، أنا وأنتَ
وأصدقاؤنا كنَّا أسماكاً فاسدة.


نشرت في مجلة رؤى الثقافية 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.