جسدُ مَن هذا؟

جسدُ مَن هذا؟
سونيتات للشاعر الصيني “فينغ تشي”
ترجمتها عن الصينية: يارا المصري
ولد الشاعر (فينغ تشي) عام 1905 وتوفي عام 1993، وكان قد كتب ديوان (سونيتات) عام 1941، بسبع وعشرين سونيتة. وحينها أحدث الديوان تأثيراً قوياً لا يزال مستمراً في الصين والعالم إلى وقتنا هذا. وقد سبق لملحق الجمعة أن نشر عدداً من السونيتات التي ترجمتها، وهنا أقدم للقراء الأعزاء عدداً آخر منها، وآمل أن أنجز قريباً ترجمة السونيتات كاملة.


السونيتة الثامنة:
حلم قديم
هذه الدنيا فوضوية
أرغب في أن أحلقَ على جناح طائر رخ
وأذهب للحديث مع نجمٍ هادئ.
هذا الحلم القديم يشبه عجوزاً
يشتاق إلى أحَبِّ أحفاده إلى قلبه
هذه الأيام سافر البعض إلى النجوم
ولكنهم لم ينسوا اضطراب هذه الدنيا وتعقيدها
كانوا دائماً من أجل أن يدرسوا
كيفية السفر، وكيفية الهبوط،
لكي يطبقوا نظام النجوم على الأرض بشكل جيد،
يلقون بأنفسهم في الفضاء بلمح البصر.
ولكن هذا الحلم القديم تحول الآن
إلى مساحة مقفرة من نيزك.
السونيتة الخامسة عشر:
انظر إلى قافلة البغال
انظر إلى قافلة البغال تلك
المُحَملةِ ببضائع قادمة من بعيد
يمكن للنهر كذلك أن يأتي ببعض الطمي
المنساب من بعض الأماكن المجهولة،
ويمكن للرياح كذلك عبر آلاف الأميال
أن تحمل تنهداتِ بلدٍ غريب
لقد تجولنا من قبل بين العديد من الجبال والأنهار
كنا في أي وقت نحتلها، وفي أي وقت نتخلى عنها
كطيور تحلق في الفضاء
تشعر في أي وقت أنها تسيطر على السماء
تشعر في أي وقت أنها لا تملك شيئاً في العالم
ما هو واقعنا؟
لا يمكننا أن نأتي بشيء من بعيد
لا يمكننا أن نأخذ شيئاً من هنا.
السونيتة الحادية والعشرين:
بينما نسمع هطول المطر
بينما نسمع هطول المطر وسط الرياح العاصفة
كنا وحيدين هكذا تحت ضوء المصباح،
وفي هذا الكوخ الصغير،
وحتى وإن كنا نجلس وسط أغراضنا
فقد كانت تفصل بيننا آلافُ الأميال:
كان الموقد الفولاذي يحن إلى موضعه في المنجم بأعماق الجبل
كان الإبريق الخزفي يحن إلى الطين على شاطئ النهر،
كانا يشبهان طيوراً وسط الرياح والأمطار
كلٌ بذاته. احتضنا بعضنا البعض،
وكأن كل منا لا يستطيع التحكم في نفسه.
عَصَفت الرياح الشديدة بكل شيء إلى السماء،
طَمَر المطر كل شيء في الأرض الطينية،
ولم يبق سوى بصيص ضوء أحمر خافت
شاهدٌ على كون حياتنا عابرة.
السونيتة الخامسة والعشرين:  
الأدوات على المكتب
الأدوات على المكتب
الكتب مرتبة على الرفوف
وطوال اليوم وفي بعض لحظات السكون
نتأمل بلا توقف؛
ليس في الكلام نبرةُ غناء
ليس في الحركة رقص
يسأل الفراغ الطيور خارج النافذة
لماذا ترفرف بجناحيها وتحلق عالياً في السماء.
لا يوجد سوى الجسد النائم
الذي يرتفع منه الإيقاع عند سكون الليل
الهواء يتسلى داخل الجسد
ملح البحر يتسلى داخل الدم ــــــ ـــــــ
ربما نسمع في الحلم
نداء السماء والبحر لنا؟
السونيتة السادسة والعشرين:
نسير كل يوم في طريق مألوف
نسير كل يوم في طريق مألوف
لنعود إلى بيتنا
ولكن في هذه الأحراج لا يزال هناك
الكثير من الدورب الصغيرة، العميقة، وغير المألوفة.
وحينما نسير في طريق غير مألوف، نشعر بالاضطراب
ونخشى أن نبتعد أكثر فأكثر، إلى أن نضل الطريق،
ولكننا من موضع ما بعيد في القرية وبلا وعي
نجد بيتنا أمام أنظارنا فجأة
كجزيرة جديدة ظهرت في الأفق.
يوجد حولنا الكثير من الأشياء
التي ترغب في أن نكتشفها
ولا تحسب أن كل شيء مألوف لكَ،
فحينما تلمس بشرتك قبل موتك
ستسأل نفسك: جسدُ مَن هذا؟

……………………….
نشرت في ملحق الجمعة – جريدة الأهرام

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.