وقت مستقطع للاستمتاع

وقت مستقطع للاستمتاع
قصة: تسوي لي
ترجمتها عن الصينية: يارا المصري
في أحد الأيام، اتصل بي صديقي جانغ سان قائلاً إنه افتتح ملهىً للترفيه، سمَّاه “وقت مستقطع للاستمتاع”.
جانغ سان مخرج موهوب للغاية، فكيف له أن يفتح ملهى وكل شيء معه يسير على ما يرام. حينما علمت شعرت ببعض الأسف، ولم أكد أقول شيئاً، حتى دعاني للذهاب إلى ملهاه وقضاء بعض الوقت.
عندما فكرت في الأمر، قلت لا مانع. وهناك فرصة أيضاً لنصيحته، فأنا لا أود أن تكون هذه نهاية صديق ذي موهبة كجانغ سان.
اكتشفت بعد ذهابي، أن ملهى “وقت مستقطع للاستمتاع”، لا يشبه ملاهي الترفيه العادية. فالملهى يقبع في مكان منعزل بعض الشيء، وخارجه باحة شاسعة، وعندما دخلت الباحة، اكتشفت أن المكان واسع للغاية في الداخل، ومزود بكل شيء، كأنه أستوديو تصوير ضخم. لا يشبه أيَّاً من ملاهي الترفيه العادية على الإطلاق.
تحدثنا أنا وجانغ سان حول ارتباكي.
سألني وهو يبتسم، ما هو تعريفك للملاهي الترفيهية هذه الأيام برأيك؟
ألقيت عليه نظرةً بها شيء من التعجب، وقلت، أَليست الملاهي الترفيهية هي مكان يمكن للمرء أن يستجم فيه وينعم ببعض الاسترخاء؟
أومأ جانغ سان برأسه، بعدها أخبرني، أنَّ هذا الملهى ليس ملهى بالمعنى التقليدي، بل هو يجعل الشخص ينعم بالراحة والاسترخاء بشكل يفوق المعنى المتعارف عليه للملاهي الترفيهية.
 زاد كلام جانغ سان غير المفهوم من ارتباكي، ولهذا فقد أراني المكان. عندما نظرت إلى الاتجاه الذي أشار إليه، رأيت أنَّ موقف السيارات الذي يمكنه أن يستوعب مئات العربات ممتلئ. وهذا دليلٌ كافٍ على أن أحوال المكان تسير بشكل جيد للغاية.
وفي اللحظة التي كنت أتأرجح فيها بين التصديق والشك، أدخلني جانغ سان غرفة كان فيها أحد الزبائن بالفعل.
كانت الغرفة كبيرة للغاية، بها عشرات الأشخاص يجلسون في صفوف مرتبة على الجانب الأيمن، وأمام منصة جلس رجل ذو وجه متألق، يوبخ الحاضرين حول أحد الأمور، وكأن المشهد أشبه باجتماعٍ لإدارةٍ ما، فالمدير أمام المنصة يقوم بتوزيع المهام بصوتٍ مرتفع، والعاملون يستمعون باحترامٍ وخضوع، وُيصدِّقون على كلامه بنعم، نعم، وكأنه قائد يخشون أن يتجاهلوه.
تفرجنا لبرهة، ثم خرجنا.
سألته، أَهذا استجمام وترفيه؟
لاحت ابتسامة على وجه جانغ سان، وقال، نعم، إنَّ الشخص الجالس أمام المنصة، كان يحلم دائماً بأن يكون مديراً. إلَّا أنه لم يشغل هذا المنصب حتى الآن، ولكنه يدخر بعض الأموال. ولذلك فقد بحثت له عن بعض الممثلين، حتى تُتاح له الفرصة كي يلعب دورَ المدير لمرةٍ واحدة.
بدأت الأمور تتضح أمامي بعض الشيء، قلت، لقد فهمت، إنه استجمامٌ واستمتاع.
قال جانغ سان، الصحيح، أنَّ كل شيء يتيح تلبية رغبات روحك ومزاجك، هو استجمامٌ وترفيه.
وحينما كنا ندردش، تناهى إلى سمعي صوتٌ مبهمٌ لرجلٍ يسبُّ امرأةً في الغرفة المجاورة. كان الرجل يسبها بعنف، حتى أنه كان متمادياً بعض الشيء، إلَّا أن المرأة على العكس، كان طبعها لطيفاً، كانت تعتذر كلما شتمها الرجل، وتكرر باستمرار أنها ليست كما يقول.
إنَّ الأمر الذي لا أستطيع احتماله في حياتي هو أن يوبخ رجلٌ امرأة، فمهما كان الرجل مُتحملاً للمسئولية، إلَّا أن ذلك لا يعطيه أي صلاحيات لظلم أو إهانة امرأة. عندما أوشكت على قرع الباب لألقي نظرة على حقيقة ما يجري في الداخل، لمحت ظل تلك الابتسامة التي لاحت على وجه جانغ سان.
فجأة أدركت ما يجري، وسألت جانغ سان، أَهذا أيضاً ترفيه؟
ظل جانغ سان مبتسماً، وقال، نعم، لقد تزوج ذلك الرجل ابنة أحد المسئولين، ويتعرض طوال اليوم للإهانة في منزله، ولا يستطيع أن ينطق بكلمة، فاضطر إلى إخفاء ذلك عن زوجته والمجيء هنا للتنفيس عن غضبه.
هززت رأسي وابتسمتُ بمرارة، كان واضحاً أنَّ هذا الرجل يعاني أيضاً.
وأنا أفكر، رنَّ الموبايل في جيب جانغ سان، وبعد أن انتهى من مكالمته، سألني فجأة، إذا كنت أريد أن أكون أحد الممثلين الكومبارس، وأن نذهب سوياً للمشاركة في أحد الألعاب؟
عندما فكَّرت في الأمر، قلت في نفسي لا مانع، فهذا أمر جيد لأشاهد حقيقة الأمر عن قرب.
ذهبت مع جانغ سان إلى إحدى الغرف، وقد طُلِبَ مني ومن بعض الشباب والبنات ارتداء ملابس باعة متجولين، وبعدها حملنا على أكتافنا بعض الخردوات، وبسطنا البضاعة على جانب الرصيف.
وبالرغم من ارتباكي، إلَّا أنني بسطت البضاعة مع الجميع.
وحينما كنت في لحظة الارتباك تلك، لا أدري مَن صرخ بصوتٍ عالٍ، البلدية قادمة…ـ
تفرق هؤلاء الَّذين كانوا يبسطون البضاعة معي وفروا هاربين، كانت ردة فعلي بطيئة بعض الشيء، ومن حسن حظي أنني مازلت شاباً وبصحة جيدة، فركضتُ أنا أيضاً.
كنت أركض ولا أملك نفسي من الالتفات برأسي بشيء من الفضول. رأيت خلفي رجلاً يلاحقنا بالفعل، كان يمشي، لا سريعاً ولا بطيئاً، متبختراً، مستعرضاً عضلاته، ويرتدي زي رجال البلدية.
كان ذلك الشخص مألوفاً لي عندما نظرت إليه.
وأخيراً عندما ركضت بعيداً، تذكرت فجأة مَن يكون.
ذاك الشخص، أَليس هو (ما سان) البائع المتجول الذي يبسط بضاعته دائماً تحت بنايتي، وكل مرة تطارده البلدية يطلق ساقيه للريح.
تسوي لي:
كاتب من شانغهاي، يعمل في “مجلة الأدب”. نشرت أعماله في كثير من الدوريات في الصين منها: (أدب تيانجين)، (أدب شاندونغ)، (مجلة القصة القصيرة)، (مجلة الشباب) وغيرها. وقصة (وقت مستقطع للاستمتاع) حازت على المركز الأول في الدورة العاشرة للقصة القصيرة جداً على مستوى الصين عام 2012. تتميز لغته بالبساطة والسلاسة وخفة الظل.
نشرت القصة في ملحق الجمعة للأهرام  – مارس 2014

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.