أبي وأمي

أبي وأمي

أبي وأمي
قصة: فانغ جي
ترجمة: يارا المصري
 نشرت في دبي الثقافية- عدد ديسمبر 2011
(1)
كان الطعام المعلَّب الذي يؤكل مع الرز، هو من أفضل المقبِّلات ليلة الاحتفال برأس السنة. أخد أبي الفتَّاحة، وفتح غطاء العلبة بدقة، ومع فتح العلبة أطلق أمانينا، وكانت جميع الأعين تتذوق الرغبات الحلوة.
غرف أبي بعضاً من الطعام ونادى أمي. جاءت أمي من المطبخ بخطوات سريعة، ووقفت إلى جانب أبي، وفتحت فمها بخجل، وتذوقت بعضاً مما أعطاها أبي بارتباك من الفاكهة. وعرفت من النظرات الهائمة في أعينهم أن طعم الحب حلو جداً.
(2)
والدي جبلٌ شامخ، لكن حتى الجبال لها أوقاتُ ضعفٍ أيضاً.
احتاج والدي إلى خلع أحد أسنانه. ولحظة أن أمسك طبيب الأسنان بالكماشة، انتفض أبي فجأة وأراد الهروب، ولكن أمي أمسكته من كتفه، وأنبته بلهجة قاسية، لكنها كانت تمسك بيده، فهدأ أبي كالطفل الصغير وفتح فمه.
(3)
يوجد في الشمال جبلٌ مشهور.
أخذنا والدي إلى جميع الأماكن التي استطاع أن يأخذنا إليها، إلا هذا الجبل، يبعد هذا الجبل كثيراً عنا، ولكن مناظره الطبيعية خلابة جداً.
لكنه ذهب مع أمي إلى هذا الجبل، وتسلقا الجبل مُتساندَين، والتقطا لهما صورة تذكارية ثمينة. تظهر أمي في الصورة ملتصقة بأبي، وابتسامتها تفيضُ بالمرح والرضا، كأنها فتاة صغيرة خجولة. وبعد رحيل أمي، ذهب أبي مرات كثيرة سراً إلى هذا الجبل، ولم ينسهُ أبداً.
(4)
عندما أعطيت لأمي خطابَ القبول بالكلية، تحسست نظارة القراءة، وبدأت تقرأ حرفاً حرفاً وبدقة ما في الخطاب، كانت عيناها متلألئة متألقة.
أخذ أبي الخطاب وقرأه بصوت عالٍ، وبعد قرائته، ضحك وقال: “ابنتي الذكية، مثلي في الاجتهاد!”، حدجته أمي بنظرة ثم قالت: “حقاً، ألا تخجل، مَنْ كان ينقل مني الواجب، عندما كنا في الجامعة”، فضحك أبي وقال: “مثلك، مثلك!”.
(5)
عندما مرضت أمي، كان أبي يمسح ظهرها بخفة ورفق، وبحزن مكتوم ساعدها بحذر وسألها: “إذا كانت هناك حياة أخرى، فهل تقبلين فيها أن تكوني زوجتي؟”، فكَّرت أمي قليلا ثم قالت: “نعم أقبل، بالرغم من أنك عصبي، ولكنك تتحمل مسؤولية المنزل ولا تدعني أقلق.”
ضمها أبي إلى صدره، وذرف دموعاً حزينة بللت شعر أمي.
(6)
بعد وفاة أمي، لم يتزوج أبي ذو الستين عاماً.
(7)
كان والدي مغرماً بألبومات الصور، وكان يحب الضحك والسخرية من الصور، كما كان يفعل عندما كانت أمي على قيد الحياة، ودائما ما كانت عيناه تستقر لمدةٍ طويلة على صورتنا العائلية الوحيدة.
كان يعامل حفيدته باستسلام تام، ويلبي لها جميع طلباتها، إلا في مرة غضب منها عندما مزقت أحد الألبومات، ومنذ ذلك الحين، كان يتصفح الألبومات خفية، وعندما ينتهي من تصفحها، لا يخشى أن يعاني، ويضعها على رفٍّ عالٍ يعصبُ الوصول إليه.
ولذلك، تعودت حفيدته على هذا: تستطيع أن تحرك أو تعبث بأي شيء، إلا ألبومات الصور، فلا تقترب منها نصف خطوة.
(8)
وبعد عشر سنوات، توفي والدي عن عمر يناهز السبعين عاماً.
وقد توفي في نفس ذكرى مرور عشر سنوات على وفاة والدتي.
وقال شخص، إن والدي ذهب لموعد مع شخص ما.  

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.