مويان: أنتم تقرأون بأعينكم وأنا أقرأ بأذني وأكتب لكي أقيم مختبر الروح الإنسانية

أنتم تقرأون بأعينكم وأنا أقرأ بأذني
وأكتب لكي أقيم مختبر الروح الإنسانية
(مويان)
الكاتب الصيني الفائز بجائزة نوبل للآداب ـ 2012
على الرغم من حبه للقراءة، إلا أن فرصة الحصول على كتب لقراءتها في صغره كانت ضئيلةً للغاية. وأثناء حواره مع كاتب من تايوان قال مويان: أنتم تستخدمون أعينكم في القراءة، أما أنا.. “أقرأ” بأذني.
“ماذا أقرأ”.. أسمع الحكايات التي يحكيها كبارُ السن، حكايات الجن والعفاريت، الأساطير التاريخية، قطاع الطرق، مكان ما حدثت فيه حرب، مكان ظهرت فيه إحدى الشخصيات الغريبة، مكان وقعت فيه كارثة وغيرها.
كل هذا شكل مادة استعان بها مويان في كتابة أعماله الإبداعية، ليصل بإبداعه إلى جائزة نوبل للآداب، التي تحدث بعدها مويان في أكثر من مقابلة صحافية، ومن بين هذه المقابلات اخترت ترجمة المقابلة التي أجرها معه مجموعة من الصحافيين، لصالح تلفزيون الصين، عقب إعلان فوزه بنوبل، يقول مويان، إنَّ على الكاتب أن يكتب ويجتهد، بصرف النظر عمَّا إذا كان سيحصل على جائزة أم لا، فالإبداع هو الهدف والإنسان كذلك.. إنَّ نسيان جميع الجوائز هو أصعبُ اختيارٍ يقوم به الكُتَّاب.. وإنني أكتب لأقيم (مختبر الروح الإنسانية).. يقول مويان أيضاً.
الصحافي:
يعتقد السيد (كينزابورو أوي) الحاصل على جائزة نوبل في الآداب، أنك الكاتب المناسب من بين الكُتَّاب الصينيين، الذي استطاع الحصول على جائزة نوبل، فكيف تنظر إلى العلاقة بين جائزة نوبل وبين الكُتَّاب الصينين في ظل رؤية الصينيين أنَّ الجائزة تمثل عقدةً لهم؟
مويان:
الحديث عن جوائز الأدب، موضوع معقد جداً، وخاصةً عن جائزة رفيعة كجائزة نوبل. في هذا التوقيت من كل عام، تقوم الوسائل الإعلامية بإعداد بعض التقارير، التي تكون في الحقيقة، لا علاقة لها بأعمال الكُتَّاب، كما أن هناك نقاداً سخروا من الكُتَّاب الصينين، واعتبروا أنهم ينتظرون بقلق الحصول على هذه الجائزة. ولا يعني ذلك بالضرورة أن هذه السخرية صحيحة، وفي الحقيقة ثمة وقت نسينا فيه موضوع الجائزة ولم نهتم بها، لكنهم الطرف الذي لم ينسَ وبقى مُنشغلاً.
كانت هناك حكاية قديمة، تحكي قصة كاهن بوذي كبير السن وآخر شاب. قام الكاهن البوذي العجوز بحمل فتاة ومساعدتها على عبور النهر، فسأله الكاهن الشاب، أيها المعلم: لماذا حملت الفتاة وساعدتها على عبور النهر؟، فأجابه الكاهن العجوز، لقد أنزلتها ونسيت الأمر، لماذا لا تنسَ أنت أيضاً الموضوع؟!
أنا أثق أنه لا يوجد مَنْ يعارض حصول كاتب صيني على جائزة نوبل، ومع ذلك، يبدو أنه لا داعي للقول إن على هذا الكاتب أن يجد ويجتهد، حتى ينتج عملاً إبداعياً جديراً بهذه الجائزة ويتماشى معها، وهذا الكلام حول علاقة الكتابة بالجوائز، كُلُّه نظرياتٌ لا أهمية لها، لا أقول إنني بذلت جهداً كبيراً، لكنني استطعت القفز خطوتين إلى الأمام، وهذه القفزة هي ما جعلتني أحصل على الجائزة. والحصول على جوائز الأدب في بعض الأحيان يكون مصادفة، فقد تكتب بجهد صادق كتاباً وتحصل على جائزة، وقد لا تحصل.
وعندما لا تكتب بجدية، وتكتب على هواك وبارتياح، قد تنتج أيضاً عملاً جيداً. لكن إذا صمم الشخص الكتابةَ للحصول على جائزة ما، فإنه من المستحيل أن يكتب عملاً جيداً بالمرة، إنَّ نسيان جميع الجوائز هو أصعب اختيار يقوم به الكُتَّاب. ويجب علينا أن نُقر أيضاً أن جائزة نوبل قد مُنحت للعديد من الكُتَّاب العظماء، ولكن أيضاً يوجد بينهم كُتَّابٌ جيدون، وكُتَّابٌ طواهم النسيان. يوجد حوالي مائة كاتب ممَّن حصلوا على جائزة نوبل، كم منهم مازال الناس يتذكرونهم، ومازلت أعمالهم تُطبع وتُقرأ؟ يمكن لكل منكم أن يفكر. ولذلك يجب عدم تحويل هذا الأمر من موضوع بسيط إلى مشكلة، من الأفضل نسيانها. وحتى الثناء الذي غمرني به السيد (كينزابورو أوي) بعد حصولي على الجائزة، أعتبره ثناء كاتب من الجيل القديم يشجع كاتباً من الجيل الجديد. وأنا أعرفه منذ أكثر من عشر سنوات، وقَدُم إلى مسقط رأسي من قبل، وما يربطني به هو صداقة حميمة بين أجيال متفاوتة، وهو زميلي في مهنة الأدب. وهكذا تعرفنا، اشتريت كتبه وقرأتها، وهو أيضا اشترى كتبي وقرأها، كلانا شاهد نفسه في أعمال الآخر، وتعرفنا على بعضنا البعض أيضاً من خلال الأعمال الأدبية. ورأينا في أعمالنا الأدبية العديد من تجارب الحياة والتجارب العاطفية، ووجدنا الكثير من الآراء حول العديد من المشاكل والأمور التي تواجهنا، وكان ثناؤه مبنياً على أساس تبادل قراءات أعمال بعضنا البعض. إن الأدب لا يختلف عن أي شيء آخر، فالاختيارات في الأدب صعبة جداً، كالرواية مثلاً، فالبعض يعتقد أن (تشانغ سان) هو الذهب، والبعض يعتقد أن (لي سي) سيء، ولا تستطيع أن تقول إنَّ من يُفضل (تشانغ سان) ليس على صواب. ولهذا، فمن يقول فلان أفضل من فلان، أو فلان أسوأ من فلان، لا يمكن اعتبار كلامه قاعدةً عامة، فكل قارئ يجب أن يُقيِّم الكاتب بنفسه. وأفضل طريقة لعمل ذلك، هو ألا يسمع رأي أحد حول الكتاب الذي يريد أن يُقيِّمه، بل يبحث عن كتاب أو كتابين لهذا الكاتب ويقرأ، وأنا متأكد أنك ستستطيع الخروج بنتيجة، وهذا هو ما يُفرِّق بين الكاتب الجيد والكاتب السيء.
الصحافي:
كيف عرفت بأمر حصولك على الجائزة؟
مويان:
قبل إعلان الخبر بعشرين دقيقة، اتصل سكرتير الشئون الدائمة للأكاديمية السويدية وأعلمني بخبر حصولي على الجائزة.
الصحافي:
هل كنت تتوقع هذه الجائزة، وخاصةً أنك كاتب مشهور ومعروف؟
مويان:
لا، لم أكن أتوقع هذه الجائزة، لأنني أعتقد أن هذا أمراً مُبهماً جداً. هناك الكثير من الكتاب الممتازين حول العالم، والصين أيضاً يوجد بها الكثيرُ الكثيرُ من الكتاب الممتازين، كل سنة تُمنح جائزة واحدة لشخص واحد، أشعر وكأنني أقف في طابور انتظار طويل.
الصحافي:
بعض الناس مهتمون بأن يعرفوا ما الذي تنوي فعله بالأموال التي حصلت عليها؟
مويان (ضاحكاً):
في الحقيقة أستعد لشراء شقة في بكين، شقة كبيرة، بعدها نبهني أحد الأصدقاء ألا أشتري شقة كبيرة، فالمتر المربع الواحد بحوالي خمسين ألف يوان،  بسبعة ملايين ونصف المليون يوان أحصل على شقة مساحتها مائة وعشرون متراً مربعاً.
الصحافي:
ماذا كانت ردة فعلك عندما علمت بخبر حصولك على الجائزة؟
مويان:
إذا قلت إنني لم أشعر بالحماسةِ والفرحة سأكون جاهلاً وكاذباً، لقد كنت سعيداً جداً. في العام الماضي عندما مُنِحْتُ جائزة (ماو دان الأدبية)، سألني العديد من الناس كيف شَعُرت، وفي ذلك الوقت كانت إبنتي تضح طفلها، فقلت لهم، إن فرحتي بهذه الجائزة كفرحتي بالمولود الذي وضعته إبنتي، ولكن إبنتي وطفلها أهم بالطبع.
الصحافي:
هل طرأ تغير في حياتك بعد حصولك على الجائزة؟
مويان:
الشيء الوحيد الذي تغير هو استقبال العديد من الصحافيين، بعد المقابلات الصحافية يعود كل شيء إلى وضعه الطبيعي، أنتم تعودون إلى أماكن عملكم وتقومون بأشغالكم، وأنا أبقى في المنزل، أكل، وأقرأ، وأكتب.
الصحافي:
يقول بعض الأشخاص، إن جائزة نوبل هي قمة الجوائز الأدبية، وبحصولك عليها، هل تعتقد أنه سيكون صعباً عليك أن تنتج عملاً إبداعياً يتخطى جميع أعمالك السابقة؟
مويان:
أنا لا أوافق على القول السائد، الذي يعتبر جائزة نوبل أهم الجوائز التي يمكن للشخص أن يحصل عليها، فهي في جوهرها، لا تختلف كثيراً عن بقية الجوائز الأخرى، أما حصولي عليها، فهو مجرد إقرار هيئة التحكيم بأعمالي وموافقتها عليها. أنا أعتقد أن الكاتب يكتب لضميره، يكتب من أجل القارئ الذي يمثل جزءاً منه، يكتب من أجل روحه، فلا يوجد أحد يكتب من أجل الحصول على جائزة. وهل الذي يكتب من أجل الحصول على جائزة، يعتقد أن الحصول عليها أمر مؤكد؟ إنه في الحقيقة شيءٌ في غاية السخف.
الصحافي:
ماذا كنت تفعل عندما علمت بأمر الجائزة؟
مويان:
كنت في المنزل أتناول الطعام. يسكن أخي الكبير في الطابق الأسفل من البناية التي أسكن فيها، والعائلة تمنعني معظم الوقت من مشاهدة التليفزيون كثيراً، وأثناء تناولي الطعام، اتصل أخي وأعلمني بخبر حصولي على الجائزة، قال: مويان لقد فزت بالجائزة، افتح التليفزيون، هذا ما حدث.
الصحافي:
هناك الكثير من الكُتَّاب الصينيين الذين تصدر لهم كتب كثيرة، ما الذي تراه مميزاً في أعمالك، وجذب القراء وهيئةَ التحكيم؟
مويان:
إذا افترضنا أن في أعمالي مميزات، فأعتقد أن السبب هو أنني أضع الشخصيات وسط أمواج الصراع الرهيبة في العمل، أضع الشخصيات وسط البيئة الخارجية التي لها القدرة على التأثير في أرواحهم. وأقيم ما أسميه (مختبر روح الإنسانية)، وهي بيئة استثنائية لا تصادفها كثيراً، أو يمكنك وصفها بالنموذجية، ومن ثم أقوم بوضع الشخصيات في داخلها لاختبار ما في داخلهم، واختبار أرواحهم. إنني أحاول قدر الإمكان أن أجعل القارئ يرى الإنسان، ويرى ما  في داخل الإنسان من ألم وصراعات، وبهذا يتعلم كيف يكون متسامحاً مع الآخرين، وأن يفهم نفسه، وأن يحاسب نفسه في كل مناسبة تاريخية تتطلب منه تحمل المسئولية.
الصحافي:
باعتبارك كاتباً يتميز بغزارة الانتاج، ما أكثر عمل تفضله من أعمالك؟
مويان:
أولاً أنا لا أعتقد أنني كاتبٌ يتميز بغزارة الانتاج، فهناك الكثيرُ من الكُتَّاب يكتبون أكثر مني. أما بالنسبة للعمل المفضل لدي، فمن الصعب الإجابة عن هذا السؤال. لقد سُئِلت هذا السؤال عدة مرات، وأعتقد أن الإجابة المناسبة هي أن اختيار أفضل الأعمال، يشبه تفضيلي لأحد أبنائي على الآخر، لا أستطيع أن أقول إنني أحب ابني الأكبر أكثر من ابني الأصغر، فإذا قلت ذلك، لن يكون الابن الأصغر سعيداً، وإذا قلت إنني أحب ابني الأصغر أكثر، فسيغضب الابن الأكبر.
الصحافي:
ما هي خطتك القادمة، هل هناك أعمال جديدة؟
مويان:
إنني أعكف على كتابة مسرحية تدور حول المدينة، وموضوعها هو الدوائر الرسمية أي طبقة الموظفين، وقد أنجزت العديد من النقاط الهامة، وهذا الموضوع من أكثر الموضوعات التي كنت أفكر فيها طوال سنوات عديدة، وأردت عن أكتب عنها. لقد عملت في (Procuratorial Daily) حوالي عشر سنوات، ومرت عليَّ العديد من قضايا الاختلاس والفساد، كما قابلت العديد من الموظفين الفاسدين، وقد وضعت عشر سنوات من هذه التجربة جانباً، وكلما وضعتها جانباً وقتاً أطول، كلما تخمَّرت الفكرة، وأصبح التعبير عنها أكثر عمقاً عند الكتابة. أحب كتابة المسرحيات، ففي عام2011 قدم مسرح بكين للفنون الشعبية مسرحية (Our JingKe). وعلى عكس كتابة الروايات، فإن الأثر الذي تحدثه المسرحية يكون أقوى، كما أنَّ فيها نوعاً من التحدي.
الصحافي:
سمعت أنك حفظت القاموس (قاموس شينخوا) وأنت صغير، هل هذا صحيح؟
مويان:
في هذه الفترة كان عدد الكتب قليلاً، كما كان عدد الكتب في القرى لا تتجاوز أصابع اليد، وقد جربتُ كل الطرق حتى أتمكن من قراءة الكتب. في البداية كنت أحمل ما أمتلكه من كتب قليلة وأذهب لأتبادلها مع أحد الأشخاص، إذا لم يفلح ذلك، أساعده في إدارة حجر الرحى وحصد القمح، مقابل الحصول على حق قراءة الكتب التي يمتلكها. بعدها قرأت جميع الكتب التي توجد في أكثر من عشر قرى، ولا يأخذك الإعجاب إلى الاعتقاد أن عدد الكتب كان كثيراً، كان عشرين أو ثلاثين كتاباً على الأكثر، في ذلك الوقت، كنت أشعر أنني أكثر شخص مثقف ذي معرفة في العالم، لأنني قرأت جميع الكتب الموجودة في القرى المحيطة. وفي الحقيقة كانت أكثر من عشر كتب عادية وبعض الكلاسيكيات. بعد ذلك، لأنني لم أجد كتباً لأقرأها، بدأت في قراءة القاموس. وقد شعرت بالمتعة وأنا أقرأ القاموس في الحقيقة، أما فيما يتعلق بحفظي للقاموس عن ظهر قلب، فهذا أمر مبالغ فيه، لقد كان محتواه فقط مألوفاً لي، وفي بعض الأحيان كنت أكتشف الأخطاء الموجودة في القاموس.
الصحافي:
كم كان عمرك حينها؟
مويان:
حينها كنت في حوالي العاشرة من عمري، ولأنني توقفت عن الدراسة في سن الثانية عشر، فلم توجد كتب جديدة لأقرأها، وكنت أعمل طوال الوقت. وعندما يكون الجو سيئاً ولا أستطيع العمل، أختبئ في أحد الطواحين التي تمتلكها عائلتي وأقرأ الكتب التي أمتلكها، وأستمر في إعادة قراءتها.
الصحافي:
أنا متعجب للغاية، لماذا تعشق الكتب إلى هذا الحد؟
مويان:
في ذلك الوقت لم تكن هناك معيشة متحضرة، فشعرت أن الكتب يمكنها أن تأسرك وتجذبك. في الحقيقة عائلتنا تحب القراءة، وأخي الكبير يحب الكتب مثلي. كان منزلنا في الماضي له عتبة، وفي ذلك الوقت لم تكن هناك كهرباء في القرى، كان يوجد فقط مصباح الكيروسين. كل يوم في المساء، كانت ألسنة اللهب التي تتصاعد من المصباح صغيرة كحبات فول الصويا، وكانت والدتي تُحضِّر الطعام، ونحن نجلس على العتبة نقرأ الكتب. بعد عدة سنوات، امَّحَت تلك العتبة بسبب إخوتي.
الصحافي:
ماذا يعني لك الأدب؟
مويان:
في أيام شبابي كنت عضواً في الكومونة الشعبية في القرية، كل يوم (كنت أعطي للتراب وجهي وأعطي ظهري للسماء)، وكنت أشعر بالضجر الشديد عند العمل. كان هذا المكان فقيراً ومتخلفاً، وكنت أحلم بالهروب في يومٍ ما لأرى العالم، وأحصل على معيشة أفضل. ولكن عندما غادرت، بعد عدة سنوات بدأت أشتاق لهذا المكان، وبصورة خاصة عندما كنت أمسك قلمي لأكتب، كنت أشعر بأن علاقتي بهذا المكان وثيقة للغاية.
كل ما حملته أعمالي الأولى من حكايات وشخصيات، كان بعضها تجربتي الشخصية، وبعضها كان تجربة جيراني وأصدقائي، وبعضها كان من سماع الحكايات التي يحكيها كبار السن. إنها مواد أصلية وثمينة، وكانت هذه المواد هي ما شكل أعمالي الأولى. بالطبع، فعندما تتعمق في الكتابة، يتوسع مفهوم مسقط الرأس، وتتزايد المصادر التي تستمد منها كتاباتك. وهذا يحتاج قراءة، يحتاج إلى الذهاب إلى أماكن كثيرة ومعرفة العالم بصورة أكبر، ومعرفة الكثير من البشر، ومعرفة الكثير من الأمور والحكايات.
الصحافي:
هناك الكثير من التعليقات حول فوزك بجائزة نوبل واعتباره حدثاً ثقافياً كبيراً أدخل الأدب الصيني المعاصر في الآفاق العالمية، واعتبار الفوز معجزةً كبيرة. كيف ترى هذه التعليقات؟
مويان:
أصبحت شبكة الإنترنت تحمل الكثير من التعليقات والتقييمات المتنوعة، وأنا لم أر هذه التعليقات مؤخراً. وما أنا متأكد منه، هو أنني كاتب صيني، وأدبي هو جزء من أدبنا الصيني. وأشعر أنه ليس لي الحق في أن أمثَّل الأدب الصيني، لمجرد كوني فزت بجائزة نوبل، بالطبع، سيجعل حصولي على جائزة نوبل الأنظار تتجه نحو الأدب الصيني المعاصر وتوليه اهتمامها، وهذا بدوره سيقوم بدور إيجابي للغاية. وهذا الدور لا يمكن تقديره أيضاً، ذلك لأن الأدب حالة تواصل خاصة بلا أنيس أو جليس، ليس كالأفلام وغيرها من وسائل الإعلام في إمكانية جذب الكثير من المشاهدين.
الصحافي:
قرية غاومي كانت المصدر الأساسي لأعمالك الإبداعية، فما هو الأثر الذي خلفته على هذه الأعمال؟
مويان:
لكل شخص مسقط رأس، ومسقط الرأس لأي شخص له تأثير كبير في حياته. قرية غاومي وإبداعاتي يرتبطان ارتباطاً وثيقاً، لأن قريتي غاومي مشهورة بالفنون والثقافة الشعبية التي صاحبتني من الصغر، وتعوَّد عليها سمعي وبصري، ولهذا دخلت هذه الأشياء بشكل أو بآخر في كتاباتي، وأثَّرت عليها إلى درجة أنها حددت موضوعات أعمالي كلها.
الصحافي:
كانت غاومي مصدر كتاباتك، لكنها ما لبثت أن تغيرت وتطورت، هل تغير القرية أثَّر على إبداعك؟
مويان:
على الجانب المادي يمكنك لمس الفرق. البيوت أفضل من ذي قبل، والمأكل والمشرب أصبح أفضل، وتغيرت طرق العمل بالنسبة للفلاحين. لكن ما هو صعب التأكد منه هو التغير النفسي للبشر، في العام الماضي قضيت ستة أشهر في منزلي في غاومي، وشعرت أن أصعب شيء هو عدم قدرتك على الإمساك بأفكار شباب القرية.
الصحافي:
هل سيكون مسقط رأسك محور أعمالك القادمة؟
مويان:
إن قريتي في الحقيقة نوع من الجغرافية الأدبية، فقرية غاومي التي أكتب عنها، مختلفة اختلافاً كلِّياً عن قرية غاومي الحقيقية، أو يمكن القول بشكل آخر إن قرية غاومي في أعمالي مزدهرة منفتحة أكثر. ولأبالغ قليلا، فأنا دائماً أريد أن أجعلها صورة مصغرة عن المجتمع الصيني. ولهذا فكل ما يحدث في الصين والعالم من أشياء، يمكن أن أضعه في هذه البيئة الجغرافية لأعمالي.
الصحافي:
ما الكتاب والأعمال التي أثَّرت في كتاباتك خلال مسيرتك الأدبية؟
مويان:
مازال الكتاب الصينيون هم من أثَّروا في. لقد قرأت في طفولتي كلاسيكيات الأدب الصيني، (رواية الممالك الثلاثة)، و (على شاطيء البحيرة)، كما قرأت أعمالا كـ (Strange Stories From a Chinese Studio)، وهي وراية كتبت بالشكل الصيني الكلاسيكي. وكانت هذه الأعمال ذات علاقة وثيقة للغاية بالحياة الشعبية، وبخاصة (Strange Stories From a Chinese Studio)، كانت تحمل العديد من الحكايات الشعبية التي كانت متداولة ومتوارثة في قريتي.
الصحافي:
خلال الفترة الماضية، ساهمت كثير من العوامل في ابتعاد الصينيين عن الأدب، ومنذ ثمانينات القرن الماضي اتجه الأدب من كونه محور اهتمام الكثيرين إلى فقده لهذه الميزة. كيف ترى ابتعاد المجتمع الصيني عن الأدب؟
مويان:
نحن دائماً ما نعتقد أن هذه ظاهرة تجلب الحزن والحسرة، لكنك إذا أمعنت النظر قليلاً، فستكتشف أنها ظاهرة طبيعية للغاية. أذكر أنني منذ عشرين عاما مضت قرأت مقالاً للكاتب السيد (وانغ زنغ تشي)، ذكر فيه أنه خلال ثلاثينات القرن الماضي، أحدثت أفلام هوليوود عاصفة بدخولها الصين، وكان الناس تقريباً يقضون معظم أوقات فراغهم في دور السينما، وفي هذا الوقت، نشر السيد (وانغ زنغ تشي) سلسلة من الانتقادات تعبر عن حزنه لهذه الظاهرة، قال فيها إنه إذا استمر الحال على هذا المنوال، فلن تجد الرواية من يقرأها.
وشعوري الآن كشعور السيد (وانغ زنغ تشي) في حزنه وحسرته لاضطهاد الرواية بهذا الشكل من قِبل أفلام هوليوود، إلا أنه الآن يوجد أكثر من الأفلام، يوجد شبكة الإنترنت، التلفزيون. لكنني أعتقد أن الإبداعات الأدبية المتمردة لا يمكن أن تتحول إلى (موضة)، فإذا تحولت إلى (موضة)، فلن يكون هذا طبيعياً على الإطلاق.
في بداية ثمانينات القرن الماضي وخلال النهضة الأدبية، كان من الممكن لبيت شعر أن تتناقله كل الألسنة، كان من الممكن لرواية أن تُحدث نوعاً من الضجة في المجتمع بأسره، لكن لماذا؟، لأن الصين مرت بعشر سنوات قاسية بسبب الثورة الثقافية، بعدها تحرر الفكر، وظهرت الأعمال الأدبية. وكان أدب هذه المرحلة يحمل الكثير مما لا ينتمي إلى وظائفه كأدب، ولهذا فلا يمكن لهذه الضجة أن تستمر، إنها حالة طبيعية للغاية.
يقول العديد من الناس إن الرواية ستختفي، لكنني أعتقد أنه لا يمكن للرواية أن تختفي على الإطلاق. إن الأدب هو فن اللغة، والقدرة الجمالية للغة شيء لا يمكن استبداله بأي نوع من الفنون.
مشاهدة الأفلام، الاستماع إلى الموسيقى، الاستمتاع بالفنون الجميلة، يمكنها أن تُحدث فيك شعوراً بالغبطة التي يُحدثها الجمال، إلا أن هذه الغبطة لا تضاهي السعادة التي تشعر بها عند قراءة عمل أدبي أو مقال جيد. سحر اللغة، لا يمكنه أن يختفي أبداً.
الصحافي:
إن التهور والاندفاع الذي أصاب المجتمع مؤخراً، سواء أكان على مستوى القراءة أو الكتابة الإبداعية، أثَّر بشكل سلبي على الأدب بشكل عام. ما هو تقييمك لهذه الظاهرة؟
مويان:
من حيت تقسيم الوقت، فإنه يحتل جزءاً كبيراً. مثلا، كلما استمعت إلى الموسيقى وقتاً طويلاً، فسيقل الوقت الذي يمكنك فيه القراءة، إذا أمضيت ساعات طويلة في الدردشة على الإنترنت، فلن تستطيع القيام ببقية أعمالك. إن وسائل الترفيه والاسترخاء أصبحت متنوعة، وبالتأكيد أثَّرت على وقت القراءة.
كان سبب عشقنا للقراءة في الصغر، هو عدم توفر وسائل أخرى للترفيه. وإذا كان قد توفر تلفزبون في ذلك الوقت، فلم أكن سأذهب لقراءة الكتب، وكنت سأمضي وقتي في مشاهدة التلفزيون. لكنني على ثقة تامة، أنه مع توافر كل هذه الوسائل للترفيه، وبعد قضائك وقتاً مع أصدقائك، ثمة يومٌ ستحمل فيه كتاباً، وتجرب الوسيلة التقليدية القديمة للترفيه.

نشرت المقابلة في مجلة الإعلام والعصر – عدد مايو 2013

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.